عندما طرحت جمعية «تنمية وما بعد» فكرتها عن برنامج لدعم الاندماج الاجتماعي بين الفتيات اللبنانيات واللاجئات السوريات من خلال الرياضة وتحديداً كرة القدم، لم ترقَ الفكرة لكثيرين، اذ تتشارك العديد من الجمعيات الصورة القائلة إن الرياضة «رفاهية» مبالغ فيها أمام الأوضاع المأسوية التي يعاني منها الشعب السوري المهجّر. فدعاء مثلاً وهي لاجئة سورية مقيمة في احدى الجمعيات الموجودة في لبنان، تحلم بالحصول على مكان تستطيع اللعب فيه مع أصدقائها، كما تتمنى الحصول على حقيبة ظهر مخصصة للكتب المدرسية فيها بعض القصص التي تحب أن تقرأها لصديقاتها. دعاء كغيرها من الفتيات السوريات واللبنانيات اللواتي انضممن إلى برنامج الجمعية لتعلم رياضة كرة القدم و «ايجاد مساحة للعب مع الأصدقاء» وفق ما تبرر سبب وجودها ل «الحياة». ويهدف هذا المشروع إلى خلق مساحة للفتيات خصوصاً للعب وتعلم رياضة كرة القدم، إضافة إلى بعض التمارين الرياضية والنفسية لتعليمهن بعض العادات والقيّم الاجتماعية الضرورية. ويضم المشروع ثلاثة أقسام، اذ هناك لعبة كرة القدم. ويُشرف رياضيون محترفون في رياضة كرة القدم من الجنسيتين اللبنانية والسورية، على تدريبهن، ليتولى خبراء رياضيون ونفسيون القسم الثاني الذي يعنى باللياقة البدنية في شكل عام. وبعيداً من الصراخ وفوضى اللعب التي تحصل في هاتين المجموعتين، تنتشر الرسوم والكلمات المُعبرة عن واقع مأسوي، على حائط صغير بعيد من الملعب. هذا الحائط ابتكره بعض المدربين المختصين في علوم النفس والاجتماع لتعليق رسوم المجموعات ضمن تمارين القسم الثالث الذي يعنى بتعليم الفتيات كيفية التعبير عن أفكارهن ومساعدتهن على العمل ضمن روح المجموعة. وفي هذا التمرين مثلاً، يُطلب من ثلاث مجموعات تضم كل منها 4 فتيات، رسم صورة واحدة تعبر عن أفكار المجموعة كلها. وفور الانتهاء تُعلّق هذه الرسومات على الحائط. وتقول رئيسة الجمعية تالار بوياجيان ل «الحياة» إن السبب الرئيس الذي دفع الجمعية إلى تبني مشاريع رياضية، هو «الإيمان بأننا نستطيع الوصول إلى الأطفال بصورة أسرع»، كون معظم مؤسسي الجمعية يأتون من خلفيات رياضية وسبق لهم تنظيم برامج رياضية للأطفال. إضافة إلى عزوف الجمعيات والمؤسسات الدولية والمحلية عن نشاطات رياضية كونها تعتبر «رفاهية زائدة» هم بغنى عنها. أما في شأن اختيار لعبة كرة القدم للفتيات، فتأتي في سياق كسر «الصورة النمطية» التي تشجع الفتيات على الابتعاد عن هذه اللعبة بوصفها «لعبة شباب». واستطاعت الجمعية الحصول على التمويل اللازم من السفارة الأميركية ضمن برنامج «الرياضة تُوحّد» الموجود في بلدان عربية وغربية عدة بعد أن رفضت وزارة الشباب والرياضة في لبنان رعاية هذا المشروع نظراً الى كون الجمعية «مسجلة حصراً في وزارة الداخلية وليس في وزارة الشباب»، مشترطة «اعادة تسجيل الجمعية في دوائرها لرعاية المشروع». ويستهدف البرنامج الفتيات اللواتي يترواح عمرهن بين 12 و14 سنة من الجنسيتين اللبنانية والسورية»، ولكن أرض الواقع لم تكن على هذه الصورة، اذ بررت بوياجيان وجود فئات عمرية أصغر في شكل ملحوظ على أرض الملعب، ب «الصعوبات العائلية مثل عدم سماح العائلة للفتاة الكبيرة بالمشاركة ما لم تشارك اختها الأصغر»، الأمر الذي ألزمهم قبول هذه الفئات الصغيرة. وأقامت الجمعية ضمن فعاليات هذا المشروع أربعة نشطاات في أربع مناطق لبنانية، فكان النشاط الأول في البقاع والثاني في جنوبلبنان، والثالث الذي يضم منطقة الشمال، لتضم المنطقة الرابعة بيروت وجبل لبنان. وتختار الجمعية الفتيات والمتطوعين والمدربين من المنطقة التي سيبدأ فيها النشاط، بعد دراستها وتنسيقها مع الجمعيات والمؤسسات المعنية في المنطقة المقصودة. وشددت في هذا السياق على أهمية اعطاء الدور للجمعيات المحلية في كل منطقة لضمان استمرارية المشروع واحترام «خصوصية» المناطق. وستقيم الجمعية يوماً ختامياً في كل منطقة سبق لها وأن نظمت النشاط، مشيرة إلى أن الضرورات الأمنية منعت من اقامة يوم ختامي موحد. وأكدت رئيسة الجمعية على الإقبال الذي فاق التوقعات، اذ شهدت النشاطات التي أعدتها في مختلف المناطق تسجيل ما يزيد عن 190 فتاة، مضيفة أن الخبرة التي يتمتع بها المدربون نظراً الى عملهم جميعاً في العمل التطوعي وتحديداً مع الجمعيات المعنية في السياق عينه، مكّنت من استيعاب هذا الاقبال. وأضافت أن كل المتطوعين والمدربين خضعوا لدورات وتدريبات عدة قبل بداية البرنامج بهدف التعامل مع المشكلات والعقبات التي قد تنشأ. وهذا ما ساهم في انجاح البرنامج حيث لم «تصادفنا أية مشكلة تذكر مع الفتيات». وتأمل بوياجيان بأن تستمر في هذا المشروع في السنوات المقبلة، اذ تشير إلى امكان توسيع المشروع، فعوض ان يقتصر على مدة زمنية لا تتجاوز الشهر، قد «نطيل الفترة الزمنية لاستقبال عدد أكبر من الأطفال الراغبين في الانضمام إلى المشروع». ومن الاقتراحات التي قد تُفكر الجمعية في القيام بها كخطوات لاحقة، تؤكد بوياجيان أنها قد تُدخل العنصر الذكوري إلى المشروع، اذ تطمح إلى اقامة نشاط مشترك بين الفتيات والشباب ولكن عوائق اجتماعية متبادلة أعاقت التفكير فيه على الأقل هذا العام. وعلى رغم أن الجمعية تهتم بالشأن الرياضي، الا أنه كان من اللافت لحظة الدخول إلى الملعب وجود أكياس مخصصة لفرز النفايات موضوعة بالقرب منه، اذ تشدد بوياجيان على مسألة رمي النفايات وفرزها وتحاول تعميمها على جميع الأطفال، فعند وجود أي نفايات على أرض الملعب «يتم ايقاف اللعب فوراً حتى عودة الملعب نظيفاً من جديد».