في طقوس الحرب والموت أن يقوم أطفال بعمل مسرحي، فهذا بحد ذاته موقف بطولي يواجه الفناء، وتحدٍ رائعٍ لكل عبثية الحرب ومآسيها... يحاول 23 طفلاً سورياً أن يبعثوا في النفوس أمل الحرية بعرض مسرحي يقدّمونه في لبنان عنوانه «طلعنا على الضو». العمل هو ثمرة تعاون بين مركز «بكرا إلنا» التابع لمؤسسة «نجدة ناو»، ومشروع «أثر الفراشة» الذي يشرف عليه الفنان السوري جلال الطويل والذي يعنى بالأطفال السوريين المتضررين مما يحدث في بلادهم من طريق المسرح التفاعلي والسيكودراما وتفريغ الطاقات السلبية عبر الرسم والنحت والتصوير والكتابة والأشغال اليدوية والتعليم من طريق الترفيه. فكرة المسرحية مركّبة تعتمد على تقنية «خيال الظل» والتمثيل المباشر على الخشبة بمواجهة الجمهور، من خلال تطبيقات السيكودراما التي تعتبر شكلاً من أشكال المعالجة النفسية من طريق التقنيات المسرحية. على يسار المسرح تقف طفلة بكامل أناقتها تحاول رصد ما سيحدث بريشة بريئة تحمل الكثير من الحب، لتبدأ بعدها سلسلة من قصص الحرب من قلب الأحداث، تبدأ بمشهد طفلة وهي تتمدد على نعش ملتحفة بالبياض، لتُبرز الحدث المأسوي في حياتها بأسلوب سردي مؤثر، صادق ودافئ. ويلقي العمل نظرة على ما يجول في خاطر «محمد» من أفكار يحاول كتابتها على حائط مدرسة افتراضي يعكسه ضوء قوي مسلط على قطعة قماش بيضاء، فيُخرج من جيبه قلماً ويكتب كلمة «حرية» إلى جانب عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام». يتصاعد الحدث بدخول وحش يمثل الطرف الآخر (النظام) محاولاً تخريب كل ما يريده الاطفال لبلدهم من حرية وعدالة وكرامة. ويبدأ مشهد «الصمود» كما تحب أن تسميه سهى ونوس (12 عاماً) إحدى المشاركات في العرض، ليعكس حالة تلامذة مدارس سورية، بما تنطوي عليه من أساليب التعذيب النفسي الذي يطبق عليهم منذ الصفوف الأولى وقدرتهم على التحمل والوقوف في وجه ما يحاول النظام زرعه من أفكار وقيم تتعارض مع كل ما هو إنساني... يقتحم بعد ذلك المشهد الطفل «حمزة» (4 سنوات) حاملاً لعبة ليحاول تخليص الجميع من جحيم القصف الجوي، كنوع من المقاومة لكل ما يحدث في شكل سلمي، فاللعبة التي يحملها بيده لها دلالة كبيرة. ينتهي العرض بعد 25 دقيقة بأغنية «طلعنا على الضو» من أداء كورال المركز بإشراف المدربة نوار خليل. مركز «بكرا إلنا» يقول عبدالناصر العائدي المدير العام لمؤسسة «نجدة ناو - لبنان» عن المركز: «افتتح المركز في بداية تشرين الثاني (نوفمبر)2012، كجزء من برنامج الدعم النفسي الذي تموله منظمة «نجدة- ناو». واختير مخيم شاتيلا في بيروت لإقامة المركز بسبب وجود عدد كبير جداً من الأسر السورية النازحة. وبعد ثلاثة أيام من بدء المركز نشاطه سُجّل فيه حوالى مئتي طفل. وكانت أول ورشة مع الفنان السوري وسام معسعس، ورمت إلى استقطاب النازحين السوريين المراهقين الموجودين في شاتيلا والذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 سنة. واستمرت الورشة نحو 45 يوماً، عمل الشبان خلالها على تجهيز المكان ليصبح عبارة عن قاعات للدراسة تمهيداً لإقامة ورش رسم يشارك فيها صغار من مختلف الأعمار». بعد ذلك، أقيمت ورشة عمل مع «سالم ياسين الذي درّب ناشطين متطوعين على طرق التعامل مع الأطفال وابتكار أساليب خاصة للتواصل معهم في الصف والملعب، مركّزاً على الناحية النفسية إذ يعاني معظم الأطفال اللاجئين اضطرابات نفسية ناتجة من الحرب والصراع الداخلي». كما أقيمت ورشة رسم مع الفنان السوري عروة ديب انتهت بإقامة معرض فني في «دار المصور» في بيروت. وصُوّر فيلم «الوحوش القوية» للمخرجة لينا العبد بمشاركة 7 من أطفال المركز، وستقام ورشة صناعة أفلام رسوم متحركة «أنيميشن» لمدة 3 أشهر لإنتاج 3 أفلام رسوم متحركة بمشاركة أطفال من صيدا والبقاع، وستختار لجنة مختصة مجموعة أطفال لإنتاج فيلم رابع. ويقول علي شيخ حيدر مدير المركز إن «المركز يتكون من ثلاث قاعات صفية، ومكتبة. بالإضافة إلى قاعة نشاطات مفتوحة تشكل فضاء تجريبياً لتدريب الأطفال على المواد المتاحة التي يقدمها المركز، وقاعة كومبيوتر. ويقدم المركز في قاعاته الصفية منهاج المواد الأساسية من رياضيات ولغة عربية ولغة إنكليزية، بوجود كادر تدريسي متميز يعمل في ثلاث فترات صباحية ومسائية».