شغل الموسيقي والمطرب المصري محمد عبد الوهاب، الذي احتفلت مصر والعالم العربي أمس بذكرى ولادته في العام 1902، الدنيا بإبداعاته الموسيقية الفريدة وبهويتها الأصيلة الطابع والتغريبية، كما اتهمه البعض، لكنه يظل أكثر الموسيقيين العرب إنتاجاً وتأثيراً وشهرة حتى اليوم. واستحق عبد الوهاب أن يُدشن له متحف باسمه يقع في الطابق العلوي من مبنى معهد الموسيقى العربية الذي دخله طالباً عند افتتاحه العام 1923 تحت اسم «نادي الموسيقى الشرقي»، ثم أطلق عليه في ما بعد المعهد الملكي للموسيقى العربية حيث تلقى عبد الوهاب أصول التواشيح الدينية والموشحات على يد الشيخ درويش الحريري وعلي صفر وأتقن عزف العود على يد الموسيقي محمد القصبجي. وترجع فكرة المتحف إلى العام 2000 بمبادرة من زوجته الثالثة في حياته نهلة القدسي، التي ارتبط بها العام 1958 بالاتفاق مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني. ويبدو أن العلاقات كانت طيبة بين الطرفين. ويقول مدير المعهد محمود عفيفي: «قدّمت القدسي كثيراً من مقتنيات المتحف، الذي يعد تسجيلاً وتوثيقاً لحياة الموسيقي الكبير بالصوت والصورة»، فهناك قاعة للاستماع تحوي معظم إنتاج عبد الوهاب، سواء أغانيه أو ألحانه للآخرين، وقاعة سينما صغيرة لعرض أفلامه. وجُدّد المتحف وخضع للصيانة، عقب تولي إيناس عبد الدايم رئاسة الأوبرا. والمتحف مفتوح للجمهور طول العام مقابل رسم للدخول، أما في فترة الاحتفال بذكرى عبد الوهاب، فإن المتحف سيكون متاحاً مجاناً. يحوي المتحف جناحاً خاصاً يضم بيانو وعوداً وكرسياً هزازاً أهداه إياه الأمير بدر بن عبد العزيز، إضافة إلى جهاز كاسيت وساعة حائط وأخرى لليد. وهذه القاعة الزجاجية تحفظ المقتنيات الثمينة وتلك التي تضم مجموعة من السيوف والخناجر من الذهب والفضة، مهداة من الملك عبد العزيز آل سعود والسلطان قابوس، إضافة إلى مجسم لقبّة الصخرة من الصدف هدية من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وفي جناح آخر، نرى أغراض موسيقار الأجيال شخصية مثل البذلة السموكينغ التي ارتداها في فيلم «الوردة البيضاء»، والبذلة العسكرية التي قاد بها الفرقة العسكرية، ونظارتين، واحدة للقراءة وأخرى شمسية. وعرف عن عبدالوهاب ضعف بصره، لذلك نجده في الصورة التي تجمعه مع سعد أردش ونيللي، أثناء تسجيل مسلسل «حياتي»، يضع الأوراق التي كتب عليها سيناريو دوره قريبة جداً من عينيه! كما عرف عنه دقة مواعيده، فنجد دليلاً على ذلك مجموعة من الأوراق الصغيرة كان يدوّن عليها كل ارتباطاته، مستهلاًّ في كل مرة بقوله «بسم الله وتوفيقه»، وكتب على إحداها: «تسجيل بعون الله مع أم كلثوم والفرقة، وعشاء في المنزل». وكان ذلك أثناء بروفات أغنية «أنت عمري» عام 1964. ويظهر جانب آخر من شخصية عبد الوهاب يدلّ على ما قيل حول حرصه المادي، إذ كتب بتاريخ 7 تموز (يوليو) 1958 إلى رئيس الإذاعة يطالبه بمبلغ 50 جنيهاً، وجاء في الرسالة الموقّعة بإمضائه: «قمت بصرف مبلغ خمسين جنيهاً للأستاذ أحمد شفيق كامل مقابل كتابته أغنية «قولوا لمصر» التي أهديتها للإذاعة، وهي تعد أوبريت كاملة، لذلك أرجو صرف المبلغ». ويضم المتحف مجموعة صور نادرة لصاحب «دعاء الشرق»، منها صور عائلية تجمعه بأولاده في المنزل محمد وأحمد وعصمت وعفت، وتشي الصور بكونه أباً حنوناً ومحباً للحياة الأسرية. فضلاً عن مجموعة صور مع زعماء عرب، منها صوره وهو يصافح الرئيس جمال عبد الناصر ويظهر فيها ثروت عكاشة، وهناك صورة مع وفد من الفنانين مع الرئيس محمد نجيب والممثلين يوسف وهبي ومحمد فوزي. وهناك صور مع الرئيس أنور السادات في لقاءات عدة، وأخرى مع الرئيس مبارك، إضافة إلى صور عدة مع الملك محمد الخامس، والرئيس زين العابدين بن علي، وصورة شخصية من الرئيس حافظ الأسد بإهداء وتوقيع منه، وأخرى مع الملك حسين. وكان لعبد الوهاب جواز سفر ديبلوماسي (أحمر اللون) وصورة كبيرة له يدير فيها دفة سفينة، وسيلته الفضلى في السفر، لأنه كان يخشى ركوب الطائرة! عبد الوهاب والسينما، جناح آخر في المتحف يضم ملصقات ترويجية لأفلامه. وفي قسم آخر، تعرض الأوسمة والجوائز التي حازها صاحب «إنت عمري» التي غنتها أم كلثوم، أبرزها جائزة الدولة التقديرية 1970، و «الأرز» اللبنانية، والأسطوانة البلاتينية، وعضوية مجلس الشورى 1983 وغيرها.