أصبحت روائح تزكم الأنوف لأكوام القمامة التي تراكمت في شوارع لبنان رمزاً قوياً لفساد سياسي مستشر يحمله المحتجون المسؤولية لا عن أزمة النفايات وحدها بل عن نظام طائفي معقد عاجز عن تلبية أبسط احتياجات المواطنين من كهرباء ومياه أو رعاية صحية وتعليم. ومع تفاعل تلال القمامة في حر الصيف اللبناني ورطوبته العالية، صوبت حركة الاحتجاج المدني ذات القاعدة العريقة في الشوارع سهامها مباشرة للساسة بشعار «طلعت ريحتكم» الذي اختارته عنواناً لحملتها. وأصبح فشل الحكومة في التعامل مع انهيار نظام التخلص من النفايات، وهو الانهيار الذي كانت تعلم أنه قادم، عنواناً للفساد الذي ينخر قلب دولة توقفت تقريباً عن أداء وظائفها، في ما عدا الوظائف العسكرية والأمنية. وآخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط، في ما يعانيه الآن من انهيار أن يتحول لبنان الذي لم يشف بعد من آثار حرب أهلية استمرت 15 عاماً، إلى دولة فاشلة أخرى. وبالنسبة إلى حركة «طلعت ريحتكم» كانت أكوام القمامة في الشوارع، القشة التي قصمت ظهر البعير، فبعض الساسة لا أغلب اللبنانيين، فحسب يتفقون في الرأي أن النظام فاسد ومعطل. وصرح رئيس الوزراء تمام سلام إن «مشكلة القمامة ليست على خطورتها إلا مظهراً من مظاهر أزمة النفايات السياسية التي نكب بها لبنان». وقال ديبلوماسي غربي «ما يقلقنا هو التآكل المستمر والمطرد للمؤسسات وهذا أمر واقع، ولهذا يخرج الناس إلى الشوارع»، هناك الكثير من العجز وما من إصلاح والحكومة عاجزة عن تنفيذ ما تتخذه من قرارات. وأضاف أنه «من المؤسف أن نشهد تآكلاً في وقت تمر فيه المنطقة بأزمة، وليس لديك سوى دول فاشلة حولك، هذه المسائل الأساسية يمكن فعلاً أن تكون في غاية السمية». وتبلور أزمة القمامة كيف أن الطبقة الحاكمة والطوائف المختلفة التي تتزعمها أفرغت مؤسسات الدولة من مضمونها وأضعفتها، لصالح شبكات موازية من الشركات التي أقامتها أو أفادت منها لتقديم خدمات رئيسة. كانت بداية الأزمة عندما لم تجدد الحكومة عقد شركة «سوكلين» الخاصة المسؤولة عن جمع النفايات والمرتبطة في لبنان بالزعيم سعد الحريري، وذلك من دون إيجاد بديل لها. وفي الوقت نفسه تجاوز مكب القمامة الرئيس في لبنان سعته، ولم يعد قادراً على استقبال المزيد من النفايات. وبعد شهرين أخفقت الحكومة في التوصل إلى حلول أخرى، وفشلت ست شركات خاصة تربطها صلات أيضاً بالنخبة الحاكمة في الفوز بعقد رفع القمامة، إذ اتضح أن ما طلبته من رسوم أعلى من قيمة عقد «سوكلين». وفي أعين المحتجين، فإن ما حدث من فوضى كان نتيجة الفساد والعجز الذي ينخر في قلب الحكومة، حيث يجري التنافس عادة على العقود المربحة بين شركات مرتبطة بالساسة. وتتباين مطالب المحتجين الذين كسروا الحواجز الطائفية التقليدية من الدعوة إلى استقالة وزير البيئة إلى المطالبة بإصلاح نظام المحاصصة الطائفية اللبناني إلى وضع نهاية للدولة الموازية، كما تتزايد المطالب بانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.