نددت الحكومة السويسرية في اجتماعها الأسبوعي مساء أول من أمس بسرقة بيانات مودعين أجانب في المصارف السويسرية واعتبرتها أمراً مشيناً. وأعربت عن أملها بعدول الحكومة الألمانية عن شراء تلك المعلومات. وعلى رغم تأكيد وزير المال السويسري هانز رودلف ميرتس في مؤتمر صحافي عقب اجتماع مجلس الوزراء رغبة بلاده في مواصلة المفاوضات مع ألمانيا، في شأن اتفاق ثنائي جديد للازدواج الضريبي، رافضاً اتخاذ إجراءات ضدها. اكتفى بتأكيد أن بلاده لن تتعاون في مجال مكافحة التهرب الضريبي مع دول تعتمد في معلوماتها على بيانات مسروقة. وتفاوتت ردود الفعل على الصعيد السياسي بين الأحزاب السويسرية، فطالب اليمين المتشدد بموقف صارم تجاه ألمانيا، في حين رأى اليسار ويمين الوسط ضرورة الحفاظ على صورة الساحة المالية السويسرية بوضع استراتيجيات جديدة تكافح التهرب الضريبي بشدة وتلتزم بالتعاون الدولي في مواجهة تلك الظاهرة. وركز الاشتراكيون على أن سمعة سويسرا المالية يجب أن تكون مبينة على قوة العمل المصرفي النزيه وليس من خلال التحايل على القوانين. وتقف الحكومة السويسرية موقفاً حرجاً أمام ضغوط تتعرض لها للكشف عن أرصدة أجنبية في المصارف السويسرية، يبلغ عنها في دولهم الأصلية، ما دعا الولاياتالمتحدة ثم فرنسا والآن ألمانيا والنمسا وهولندا إلى أن تطالب بتعاون سويسرا معها للكشف عن متهربين من دفع ضرائب لديها وتسديد ما عليهم من مستحقات يتم استقطاعها من تلك الودائع. ومنذ أعلنت السلطات الألمانية قبل أيام اعتزامها شراء بيانات لنحو 1500 من أصحاب الحسابات في أحد المصارف السويسرية، يُشتبه في أنهم متهربون من دفع ضرائبهم لدى مؤسسات بلادهم، حتى بادر وزير المال السويسري إلى الاتصال مع نظيره الألماني فولفغانغ شويبله محذراً إياه من أن سويسرا لا تتعاون قضائياً، استناداً إلى بيانات مسروقة. وأشار إلى ضرورة تعديل اتفاق الازدواج الضريبي بين البلدين، لكن الوزير الألماني قال بعد المكالمة في تصريحات صحافية إن حكومته تتجه على الأرجح لشراء تلك البيانات بحوالى مليونين ونصف المليون يورو. في الوقت ذاته حذر اتحاد الصيارفة السويسريين في بيان، من إقدام ألمانيا على استخدام البيانات المسروقة «إذ من شأن الخطوة أن تؤدي الى نتائج عكسية في المفاوضات بين البلدين حول إمكان تعديل اتفاق الازدواج الضريبي»، وطالب الاتحاد السلطات الألمانية بملاحقة السارق بدلاً من استخدام تلك البيانات. وواضح أن نداء وزير المال السويسري وتحذير اتحاد الصيارفة السويسريين لن يجد آذاناً صاغية إذ أعلنت كلاً من النمسا وهولندا أمس عن رغبتيهما في الاستفادة من البيانات التي تعتزم المانيا شراءها لمعرفة ما إذا كانت تضم أسماء رعايا أي من الدولتين أيضاً، بل تطالب الدولتان بالتعرف إلى محتوى البيانات التي حصلت عليها فرنسا مطلع السنة الحالية. نقطة الخلاف الجوهرية بين سويسرا والعالم في القضية، أن القانون السويسري لا يعاقب على «التهرب الضريبي» وانما فقط على «التحايل الضريبي»، بينما تنظر قوانين الدول الأخرى الى التهرب والتحايل الضريبي كجريمة واحدة يعاقب عليها القانون. فالمعلومات التي اشترتها فرنسا وتحتوي أرصدة مودعين في فرع بنك (اتش بي اس سي) في جنيف، سوّيت بعد اجتماع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع الرئيسة السويسرية دوريس لويتهارد على هامش دورة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي، واتفق الطرفان على استعادة سويسرا البيانات مع حق فرنسا في الاحتفاظ بنسخة منها وعدم الاعتماد عليها في طلبات التعاون القضائي لملاحقة المتهربين، أو تقوم بتحويل البيانات الى طرف ثالث من دون إحاطة سويسرا علماً. خبراء استطلعت «الحياة» آراءهم قالوا إن رضوخ سويسرا أمام السلطات القضائية الأميركية وتسلميها طوعاً بيانات مودعين في المصارف السويسرية، شجع دولاً أوروبية على ضرورة الخوض في الموضوع. ويمكن لألمانيا على سبيل المثال أن تحصل على ما لا يقل عن 100 مليون يورو من العملية. وأشار فريق آخر إلى أن الاعتماد على بيانات مسروقة كدليل أو مستند، متعارف عليه سواء في دوائر القضاء، اجتهاداً من حكم قضائي صدر عام 2007 عن المحكمة الفيديرالية العليا أجاز اعتماد السلطات على بيانات مسروقة في قضايا التحايل على الضرائب.