لا يكفي مقال للتوسّع في مناقشة مسألة مهمة هي ألعاب الانترنت التي يتشارك فيها لاعبون من شتى الدول، (فاقت أعدادهم الملايين في اللعبة الحربيّة «ورلد ور كرافت» World War Craft) وأثرها على فكرة الناشئة عن العالم وشعوبه وشبيبته وأحواله. وكذلك يحتاج الأمر إلى نقاشات منفصلة عن ألعاب العيش الافتراضي، التي يُعطي موقع «الحياة الثانيّة» («سكوند لايف» Second Life) نموذجاً منها. وفي مرحلة معيّنة، وصل من ذيوع ذلك الموقع أنه أضحى موضعاً لجهود علماء الاجتماع في أميركا إلى حدّ ولادة نوع جديد من الدراسات الاجتماعيّة استناداً إلى حركيّة الأفراد في مواقع المجتمعات الافتراضيّة. وثمة جهود مماثلة تبذل حاضراً في دراسة موقع «فايسبوك» ومجمل الشبكات الاجتماعيّة، من النواحي السوسيولوجيّة والنفسيّة، إضافة الى دراسة أبعادها استراتيجياً وسياسياً. وكي لا يبدو الكلام إنذاراً وتهويلاً، وهما ليسا قصد المقال، تكمن الإشارة إلى تقرير صدر قبل أعوام قليلة، عن بحث جرى بإشراف البروفسور ديفيد جوانتليت وليزي جاكسون من جامعة «وستمنستر» البريطانيّة. ووفق موقع «بي بي سي»، ورد في التقرير أن العوالم الافتراضيّة ربما كانت مفيدة في مساعدة الأطفال للتمرّن على ما يتعلمونه في الحياة فعليّاً. وأورد أيضاً أنّ الحيوات الافتراضيّة أقوى تأثيراً على الأطفال الناشئة من الكتب، بل حتى التلفزيون. وشمل البحث أطفالاً يتابعون برنامجاً بريطانياً يعرف باسم «أدفنجر روك». وأعطى البحث تقويماً عن الكيفيّة التي ينظر بها الاطفال إلى الحياة عبر تعاملهم مع العالم الافتراضي التفاعلي، وكذلك الكيفيّة التي يستنتجون عبرها الخير والشر والخطأ والصواب، وتلك مسائل تقع في قلب قيم النظام الأخلاقي للناس والمجتمعات كافة. وكذلك بيّن البحث أن الأطفال تعلموا من نشاطهم التفاعلي مجموعة من مهارات التواصل الاجتماعي المفيدة. ولاحظ البحث نفسه أيضاً أن العوالم الافتراضيّة تفتح المجال واسعاً أمام الأطفال لتعلّم كثير من جوانب الحياة الفرديّة والاجتماعيّة، من دون الخشيّة من التعرض إلى عواقب او الخوف من الوقوع في الخطأ او العقاب، كما هي الحال في العالم الواقعي. وخلص البحث أيضاً إلى دعوة المربين والأهالي والمؤسسات الإعلاميّة والترفيهيّة الى انتاج فضاءات افتراضيّة مخصّصة للأطفال، وكذلك الى جذب أطفال أصغر سناً إلى التعلم والاستفادة من تلك الحيوات الافتراضيّة وألعابها. وعلى رغم وجود عربي واسع للألعاب الإلكترونيّة، إلا أن علماء الاجتماع العرب ما زالوا بعيدين عن الدراسات التي تتناولها في العمق. ماذا عن السياسة والساسة؟