يتَّفق المعنيون بأزمة الكهرباء الدائمة في لبنان على أن لا عصا سحرية لحل قريب. لا بل تميل المؤشرات المستقبلية إلى التشاؤم في ضوء ازدياد الحاجات أو الطلب وعدم تطوُّر الإنتاج وتزايده. وهناك إجماع على أن معالجة أزمة الكهرباء تحتاج لقرارات كبيرة وخطط تستوجب استثمارات لا يبدو أنها متاحة في الوقت الحاضر، لا سيما أن مشاركة القطاع الخاص تتطلّب تشريعات دونها الكثير من الصعوبات. عام 2010 وعد وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل بأن التغذية بالتيار الكهربائي ستصل إلى 20 ساعة عام 2014 وإلى 24 ساعة عام 2015. ولكن المواطنين بقوا رهينة تزايد العتمة نتيجة عدم تنفيذ الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء في 21 حزيران (يونيو) عام 2011، وترمي إلى تأمين طاقة إضافية في حلول عام 2015 كافية لتأمين تغذية بالتيار الكهربائي 24/24 ساعة. بالأمس القريب، خرج وزير الطاقة أرتور نظريان لتبرير عدم الوفاء لتلك الخطة ب «وجود عوامل عدة وأنها عانت عراقيل تسبَّبت بتأخيرها إضافة إلى النزوح السوري الذي تخطى المليون ونصف المليون نسمة، وهي كلها أمور تؤثر في الكهرباء، والأهم هو الإنتاج والنقل والتوزيع». أما رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك فأشار إلى أن «معمل دير عمار الجديد، الذي كان من المفترض أن يكون الأكبر في الإنتاج (بين 500 و600 ميغاواط)، توقف حالياً بسبب خلاف مع المتعهد على تسديد ضريبة TVA وتسيير العقد، وإننا في انتظار أن تفصل هيئة القضايا في هذا الملف». مشكلة الكهرباء ليست جديدة، إذ كانت الحكومة عمدت إلى إقرار الخطة التي سبق لباسيل أن وضعها بكلفة مقدرة ب بليون و200 مليون دولار لإنتاج 700 ميغاواط إضافية عبر إنشاء معمل جديد للطاقة في دير عمار وتحسين شبكات النقل لصيانة معمل الزوق وتركيب مولدات جديدة في معملي الزوق والجية. ولكن، حتى اليوم لم ينفذ شيء من الخطة لعدم تأمين التمويل للشركة المتعهدة. لكن هذا التبرير لا يقنع منتقدي وزارة الطاقة بوزرائها المتعاقبين، خصوصاً لجهّة «وجود عراقيل» وإن «هناك معامل تنتج ولكنها غير كافية» و»إننا مع القطاع الخاص للإنتاج، ونشجعه لكن ضمن الشروط». وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة الطاقة والمياه النيابية محمد قباني ل «الحياة» إن «المنطلق الأساسي لإيجاد حل لأزمة الكهرباء التي وصلت إلى مستوى الكارثة هو بأمرين معاً: احترام القوانين والشفافية. فبين عامي 2010 و2011 طرح باسيل طلباً لإعطائه مبلغ 1200 مليون دولار ليؤمّن الكهرباء لمدة 24 ساعة دائمة في كل لبنان. وكان هناك اعتراض من معظم القوى السياسية على هذا الأمر لأن المبلغ كبير ولبنان يعاني من أزمة مالية، واستمر الاعتراض أشهراً ثم رمت حكومة نجيب ميقاتي الموضوع على المجلس النيابي واستمر الجدال وكان رئيس التكتل التغيير الإصلاح النيابي ميشال عون هدّد بإسقاط الحكومة واحتلال البرلمان إذا لم يُعط «الصهر» المبلغ الذي يريد». وقتها جرى نقاش حاد في البرلمان نتج منه إقرار القانون 181 في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 الذي وافق على تخصيص مبلغ 1772 بليون ليرة لخطة الكهرباء ضمن شروط لم يتحقق منها شيء حتى الآن، كما يقول قباني، أبرزها: «تطبيق القانون 462 بالنسبة إلى إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء خلال 3 أشهر، تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال شهرين وثالثاً أن تجري عملية التلزيم من خلال هيئة إدارة المناقصات والحصول على قروض ميسّرة من الصناديق العربية أو سواها، تأمين زيادة إنتاج بقدرة 700 ميغاواط ونقل وتوزيع الطاقة من خلال إنشاء معمل جديد في دير عمار وتأهيل معملي الجية والزوق». واتّهم قباني «باسيل بالسيطرة حتى اليوم على وزارة الطاقة من خلال 45 مستشاراً كانوا يحيطون به سابقاً وبالوزير الحالي من بعده ويديرونها». عملياً، يؤكد عضو «كتلة المستقبل» النائب جمال الجراح ل «الحياة» أن «القانون 462 لم ينفّذ ولم تعين هيئة ناظمة ولم يتألف مجلس إدارة جديد لمؤسسة الكهرباء». ووقتها تم تخصيص 650 مليون دولار لكهرباء لبنان من الصناديق العربية والإسلامية لتأمين 270 ميغاواط لصيانة معمل الزوق لكن باسيل رفض ذلك بحجة أن الاستعانة بالصناديق العربية تتطلّب وقتاً طويلاً للتنفيذ ويريد وقتاً أقصر لتوفير 15 مليون دولار على الدولة. لكن كان الأمر يتعلّق بالرقابة من المخطّط التوجيهي إلى التلزيم ثمّ التنفيذ. التراجع عن التلزيم أما بالنسبة إلى التلزيم فقد استأجر باسيل الباخرتين التركيتين سنداً لخطة الكهرباء لتأمين نحو 270 ميغاواط من دون توقف لصيانة معملي الزوق والجية، تحت شعار موقت تحولتا مع الوقت إلى حاجة لا يمكن الاستغناء عنها. في وقتها، يوضح الجراح، جرى تنظيم مناقصة مع شركة إسبانية لمعمل دير عمار-2 (يمكنه العمل على الفيول أويل والغاز) مع المقاول نزار يونس إلا أن هذا التلزيم تعثر لأسباب عدة ما تسبب بمشكلات بين لبنان وإسبانيا. ويتحدّث المعنيون بالملف عن أن مبلغ التلزيم رسا على 600 مليون دولار فيما الموجود موازنة ب 500 مليون دولار وكلّفه مجلس الوزراء التفاوض مع المقاول. وكان الأمر مستحيلاً وعاد وتراجع عن التلزيم. لكن إلغاء المناقصة كان خلافاً للقانون والأصول، يقول الجراح. وبعدها عاد ولزَّمها لشركتين قبرصيتين، تردّد أن إحداهما في وضع لا تُحسد عليه، ب 500 مليون دولار لكنه اختصر أعمالاً وعدّل في المواصفات إضافة إلى أنه لم يضع الضريبة على القيمة المضافة. فعلى ال 500 مليون دولار هناك ضريبة 50 مليوناً، وإذا حسبنا الأعمال التي عدّل بها باتت المناقصة أغلى من التلزيم الأولي، وهنا نشأ الخلاف. أما في عقد التلزيم مع الشركة الجديدة، فلم تذكر الضريبة على القيمة المضافة على رغم أن لدى الوزير 45 مستشاراً، كما يوضح الجراح. ويسأل المعنيون: هل يمكن لأحد من هؤلاء المستشارين أن ينسى 50 مليون دولار ضريبة؟ خصوصاً أن العقد وصل إلى ديوان المحاسبة الذي رفضه لأنه لا يتضمّن الضريبة. وكان كل من المتعهد والدولة يرمي الكرة في ملعب الأخر. توقف الملف في ديوان المحاسبة، فيما كان من المفترض أن يتحول إلى النيابة العامة المالية للبت به. ويعزو الجراح عدم تأهيل معمل الزوق لأنه تبيّن أن كلفة التأهيل تساوي كلفة إنشاء معمل جديد. وعليه، لم يتم تأهيل المعمل والبواخر التركية باقية. فهل هذا يأتي من باب الصدفة؟ أليس المقصود عدم تأهيل المعامل للإبقاء على البواخر؟ في المقابل، هناك بعض العوامل اللاإرادية ساهمت بطريقة غير مباشرة بتعثّر بنود من خطة الكهرباء، منها، وصل خط المنصورية الذي من شأنه أن يوفر أربع ساعات تغذية اضافية إلا أن رفض أهالي المنطقة الأمر حال دون إتمام الوصلة والذي بدأ بتحريض من «جمهور التيار الوطني الحر» بحجة تسبب التوتر العالي بأمراض سرطانية فأوقف المشروع وحين تسلّم باسيل الوزارة وقَبل بالمشروع صارت الكرة في بملعب جمهور حزبي الكتائب والقوات». ويشير إلى «تقريرين فرنسي وأوروبي يؤكد عدم وجود تداعيات سلبية للمشروع. ويشرح الجراح أن الحلول «تبدأ من حل مشكلة معملين في دير عمار، الثاني معطل في ديوان المحاسبة، وثالث علينا أن نموّله من الصناديق العربية لنؤمن 500 ميغاواط أما الأول الذي بناه الرئيس رفيق الحريري فيعمل منذ عام 1996». أما في معمل الزهراني فيلفت الجراح إلى أن «علينا تأمين 500 ميغاواط أيضاً، فيما لدينا 177 ميغاواط وبالتالي نصل إلى 22 ساعة كهرباء في كل لبنان خلال 18 شهراً، مشدداً على حل وصلة المنصورية ومحطات التوزيع وتغيير الكابلات». أما الطريقة الثانية فيمكنها أن «تكون عبر الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام وهذا الأسلم».