بعد مرور أكثر من أربع سنوات على رضوخهم للضغوط وانشغالهم بالأوضاع الأمنية المتأزمة، أو الدراسة والحياة العملية، عاد شباب بغداد إلى ساحة التحرير للمشاركة في التظاهرات التي انطلقت مجدداً للمطالبة بعودة الخدمات، لا سيما بعدما وصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة إلى أكثر من 16 ساعة يومياً واعتماد السكان في شكل كامل على المولدات الكهربائية في صيف قائظ. ولم تمنع الحرارة التي تجاوزات 52 درجة مئوية الشباب من المشاركة في التظاهرات التي انطلقت بزخم يذكر بسنوات مضت في الساحة التي تحولت مكاناً لتظاهر الناس المعترضين على أداء الحكومات يحتضن كل التظاهرات المناهضة للفساد وأداء السياسيين. وعادت لتكون المكان الأكبر لتجمع الشباب الداعمين للتظاهرات الشعبية على النقيض من ساحة الفردوس التي باتت المكان الأمثل لانطلاق التظاهرات المؤيدة للحكومة. تقول ياسمين أحمد البنا إنها شاركت في الاحتجاجات السابقة التي انطلقت قبل أربعة أعوام في المكان ذاته وعادت اليوم للتظاهر مرة أخرى وهي تحمل المطالب ذاتها وتقف إلى جانب بقية زملائها في العمل. وتضيف: «في المرة السابقة كانت حرارة الجو أقل بكثير أما اليوم فالتظاهرات انطلقت في الأجواء الحارة وعلى رغم ذلك المشاركة قوية جداً. ولكي أكون منصفة أحضر إلى ساحة التحرير بعد مغيب الشمس لأنني لا استطيع تحمل اللوقوف تحت الشمس في درجة حرارة النهار». ومعظم الشباب الموجودين في «التحرير» ابتكروا فعاليات جديدة للاحتجاج، إذ عادت بعض الفرق الموسيقية الشابة لدعم التظاهرات بالعزف في أمسيات حاشدة تحيط قوات مكافحة الشغب في معظم ساعاتها بالمتظاهرين وتغلق عليهم مخارج المكان المؤدية إلى المنطقة الخضراء التي يقطنها نواب البرلمان وأعضاء الحكومة. ثورة الشباب هذه المرة متهمة بالدعم من أحد الفصائل الشيعية المدعومة من إيران والمتمثلة ب «عصائب أهل الحق» لكن الشباب المشاركين ينتمون إلى طوائف وأديان مختلفة وهو ما يقوّض الفرضية السابقة لكن اللافت أن الأطراف والميليشيات التي تقاتل «داعش» في العراق تحاول استثمار التظاهرات الدائرة لمصلحتها. يقول أمجد سالم سعيد وهو طالب جامعي يدرس الأدب الفرنسي في الجامعة المستنصرية إن «التظاهرات أعات الشباب إلى التحرير بوجوه مختلفة، إذ شاركت فيها مجاميع متدينة وأخرى علمانية وثالثة تطالب بدولة مدنية وبعض الملحدين الشباب أيضاً، ولا يمكن حسابها لمصلحة طرف من دون آخر ومن يفكر في ذلك فهو مخطئ». ويضيف: «يحاول الكثيرون من المعترضين على خروج الشباب الى الشارع والاعتراض على أداء الحكومة تشويه صورتهم في عيون الشارع لكن الحقيقة هي أننا جميعاً خرجنا بمذاهبنا وقومياتنا لنطالب بالخدمات التي وعدنا بها المسؤولون منذ أكثر من اثني عشر عاماً». وضع الشباب في التحرير يبدو صامداً منذ انطلاق التظاهرات قبل أكثر من عشرة أيام والمؤشرات الأولية تشير إلى أن تحركاتهم ستتوسع هذه المرة ولن ينصرفوا من ساحة التحرير من دون الحصول على بعض مطالبهم في مجال الخدمات.