بدأت التحركات الشبابية في العراق مجدداً مع انطلاقة العام الدراسي الجديد، لكن هذه المرة بشكل مختلف. فالتركيز على التظاهرات والتواجد في ساحة التحرير الذي كان من أهم نشاطات طلاب الجامعات في العامين الماضيين لم يعد هو الشيء الأساس الذي يشغل الشباب الجامعي اليوم بعدما تحولت اهتماماته نحو نشاطات أخرى. التدوين والتحرك الثقافي هما أكثر ما يشغل شباب العراق في الجامعات، فعلى رغم تذمرهم من الأوضاع القائمة وتباين مواقفهم السياسية إزاء الأحداث الدائرة في البلاد ومشاركة الكثيرين منهم في الإعداد للتظاهرة الأخيرة التي انطلقت ضد الرواتب التقاعدية الضخمة للبرلمانيين نهاية آب (أغسطس) الماضي, يجدون اليوم في التحرك السلمي شيئاً مختلفاً طالما لم تتمكن ساحة التحرير العراقية من أن تحدث تغييراً ملحوظاً في البلاد مثلما حدث في ميدان التحرير المصري. يقول أوسم بكر إن التظاهر ليس الحل الوحيد للتغيير, بل يتوجب «أن نستخدم جميع طاقاتنا في حال أردنا أن نحقق مطالبنا في شكل فعلي ونتمكن من تغيير واقعنا نحو الأفضل». ويؤكد أن «السلطات تتعامل مع المتظاهرين بالطريقة ذاتها دوماً وفي أحيان كثيرة لا تحقق تلك التظاهرات المطالب التي انطلقت من أجلها ولذلك يتوجب أن نستخدم أساليب جديدة للتحرك». التحركات الشبابية هذا العام تبدو مختلفة تماماً عن تحركات الأعوام الماضية، فالطلاب الجامعيون باتوا يميلون إلى طرق أخرى للتعبير عن سخطهم وغضبهم من الواقع الذي تعيشه البلاد باستخدام الجدران الحرة في الجامعات في كتابة التعليقات عليها واستحداث نشرات مكتوبة صغيرة بعضها مطبوع والآخر إلكتروني ويحوي آراء الطلاب في الكثير من الأمور الجارية في مجالات السياسة والمجتمع والأمن وغيرها. مادة حقوق الإنسان التي يدرسها الطلاب في الجامعات منذ أكثر من ثماني سنوات والتي جاءت بديلاً من مادة الثقافة القومية التي درستها الأجيال السابقة لسنوات طويلة في عهد حزب البعث كانت الدافع الأساس لتحريك نشاطات الطلاب في الجامعات والتعبير عن وجهة نظرهم في الكثير من القضايا التي كانوا يعتقدون أن المساس بها من الأمور المحرّمة, لكن يبدو أنهم أدركوا أخيراً إن التظاهرات وحدها لا تكفي للمطالبة بالحقوق. ويصف علاء ملك وهو طالب في كلية الآداب مادة حقوق الإنسان بأنها «راقية وتوعوية» لكن تطبيق المواد التي يدرسها الطلاب على أرض الواقع لا يبدو أمراً سهلاً. ويقول: «هذه المواد فيها الكثير من المعلومات لكنها أقرب إلى أن تكون تلقينية، إذ يبدو أن هناك الكثير من الأمور التي لا تصلح للتطبيق في العراق والتي يتوجب أن يتم التعامل بها بطريقة مختلفة». الوضع السياسي القائم في البلاد بات هو الآخر يغذي معظم النكات التي يتداولها الشباب الجامعيون في ما بينهم وفي الوقت ذاته نشراتهم الطلابية الإلكترونية والمكتوبة التي استعارت أسماءها من الوضع السائد. تقول ميسم خليل الطالبة في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية إنها وعدد من زملائها أسسوا نشرة إلكترونية أطلقوا عليها تسمية «حواسم 2013» يتم إرسالها عبر البريد الإلكتروني وهي تحوي أخباراً ومواضيع حول الفساد المالي والإداري في المؤسسات الحكومية والرسمية. وتوضح: «نجد في تلك النشرة متنفساً مهماً للتعبير عن أنفسنا والحديث بحرية عن كل ما يدور حولنا من أوضاع، وفي أحيان كثيرة نضع تغريدات يومية حول زحمة الشوارع ونقاط التفتيش على رغم أنها خارج اختصاص النشرة». الحراك الشبابي يحاول استخدام وسائل أخرى للتعبير عن التمرد على بعض الأمور السائدة لكن نجاحه أو فشله قد لا يعتمد على تلك الوسائل بقدر اعتماده على إصراره ورغبته الحقيقية في التغيير نحو الأفضل بالإضافة إلى استجابة صناع القرار له.