قبل 17 عاماً، تعرّف الإسرائيليون إلى ما عُرف لاحقاً ب «شباب التلال»، وهم من غلاة الشباب المنفلتين من أبناء المستوطنات في الضفة الغربيةالمحتلة. تم التعرّف إليهم حين دعاهم وزير الخارجية في حينه آرييل شارون إلى السيطرة على كل تلة ممكنة في الأراضي الفلسطينية والبقاء فيها وإقامة بؤر استيطانية رداً احتجاجياً على توقيع رئيس الحكومة في حينه على اتفاق «واي بلانتيشن». ولم يتأخر «شباب التلال» عن تلبية الدعوة، وخلال سنوات قصيرة أصبحوا من غلاة المتطرفين بين المستوطنين، فعاثوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة أعمالاً تخريبية عُرفت ب»تدفيع الثمن»، أي جباية ثمن من الفلسطينيين على أي تحرك للسلطات الإسرائيلية ضد بؤرة استيطانية غير قانونية. وتعاملت السلطات الإسرائيلية بقفازات من حرير مع غالبية العمليات التي استهدفت مساجد فلسطينيين ومنازلهم، واعتقلت المشتبهين بتنفيذ العمليات لوقت قصير، ونادراً ما قدمت لوائح اتهام ضدهم، وكان أقصى إجراء اتخذته إبعادهم عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن جاءت «الصحوة» حين أقدم أعضاء في هذا التنظيم السري على حرق كنيسة الطابغة في طبرية، والجريمة البشعة بحرق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما وقتل الطفل الرضيع علي حرقاً وإصابة شقيقه وذويهما إصابات بالغة. وحيال الضجة العالمية للحادثتين الأخيرتين، تحركت الأذرع الأمنية بسرعة وتلقت التخويل من الحكومة لتنفيذ اعتقالات إدارية ضد المستوطنين المتطرفين. وخلال أيام قليلة، شرعت في اعتقال عدد منهم، بينهم رئيس منظمة «لهفاه» الناشطة ضد «انصهار اليهود بين الأغيار» (وتحديداً زواج يهوديات من عرب، وتأجير شقق سكنية في بلدات يهودية لمواطنين عرب)، والذي أعلن علناً دعمه حرق الكنائس، كما اعتقلت نجل مؤسس حركة «كهانا» العنصرية المحظورة مئير إيتنغر الذي وصفه جهاز الأمن العام «شاباك» بأنه الأخطر في اليمين المتطرف، وسبق اعتقاله لفترة قصيرة، لكنه واصل نشاطه وأوضح في كتاباته على مواقع الانترنت أنه ورفاقه يطمحون «الى إحلال حكم التوراة في أرض إسرائيل بدل النظام الديموقراطي». وأظهر تحقيق نشرته صحيفة «هآرتس» أمس أن «النواة الصلبة» في مجموعة «تدفيع الثمن» غيّرت في الفترة الأخيرة برنامج نشاطها الذي قام على الاعتراض على أي تحرك لسلطات الاحتلال ضد بؤر استيطانية عشوائية من خلال تنفيذ عمليات تخريبية ضد ممتلكات فلسطينية أو رشق سيارات فلسطينية بالحجارة، ليصبح أكثر تطرفاً. وأضاف: «بينما رأت المجموعة («تدفيع الثمن») حتى قبل فترة وجيزة أن الحفاظ على البؤر الاستيطانية هو الأساس في نشاطها، وأن العنف هو وسيلة لذلك، انقلبت الآية في الفترة الأخيرة وبات العنف صلب النشاط». وبحسب «شاباك»، فإن المجموعة المتطرفة التي تطلق على نفسها «التمرد» وتتشكل من عشرات الأعضاء، وضعت نصب عينيها «إحداث غليان عنيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف تغيير النظام في إسرائيل». ويرى الجهاز في المجموعة التهديد الجدي الأكبر على الاستقرار في الأراضي المحتلة «لأنها لم تعد تكتفي بنشاط تدفيع الثمن، إنما أصبحت تشرعِن كل أعمال العنف». واعتمدت الصحيفة في تحقيقها على وثيقتين ضبطتهما الشرطة في أوساط أفراد المجموعة، تتناول الأولى مبادئ تنظيم «التمرد»، والثانية طرق عمله. ويستدل منهما ان اتينغر هو رأس هذه المجموعة التي اختير أعضاؤها بسرية تامة، وغالبيتهم ممن اعتقلوا في الماضي، لكنهم لم يدلوا بأي تفصيل للمحققين، ويوافقون على الاستغناء عن حمل الهواتف النقالة لمنع سلطات الجيش من رصد تحركاتهم، «وأبدوا استعداداً للتفاني والاستماتة من أجل أرض إسرائيل من خلال استعدادهم للقيام بأعنف العمليات». واللافت أن أعضاء التنظيم ليسوا جميعاً من المستوطنات الدينية إنما من أنحاء إسرائيل، وغالبيتهم من المتسربين من المدارس «جاؤوا، في سن السادسة عشرة إلى الأراضي الفلسطينية بحثاً عن عمل في الزراعة، أو التحرش بالفلسطينيين من خلال رشقهم بالحجارة أو إحراق حقول فلسطينيين». وتضيف الوثيقة أن هؤلاء باتوا يعرفون أصول التصرف عند اعتقالهم لوقت قصير والتحقيق معهم، ثم إطلاق سراحهم أو إبعادهم عن المستوطنات في الضفة، «ما شجعهم على الانتقال لحرق البيوت». وأشار التحقيق إلى أن الذين أُبعدوا وجدوا في الطريق بين الضفة والقدس مرتعاً لنشاطهم التخريبي ضد الكنائس لكثرتها في المدينة المقدسة.