تراجع اهتمام الإعلام الإسرائيلي أمس بالهجوم الإرهابي لمستوطنين على عائلة دوابشة في دوما جنوب شرق نابلس، وقتل الرضيع علي حرقاً فجر الجمعة الماضي، وحل محله خبر وفاة شابة إسرائيلية أصيبت بجروح خطيرة في عملية الطعن التي تعرضت اليها وآخرون في تظاهرة مثليي الجنس في القدس الغربية الخميس الماضي. مع ذلك، ثمة شعور بأن أذرع المؤسسة الأمنية المختلفة معنية هذه المرة باعتقال المجرمين بعد أن وعد رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو المجتمع الدولي بذلك، تماماً كما حصل بعد إحراق كنيسة «الطابغة» في طبرية قبل عشرة أسابيع. ولم تخفِ إسرائيل قلقها من الرد الدولي العنيف على جريمة إحراق المنزل الفلسطيني، ما استدعى نتانياهو وكبار وزرائه، حتى من اليمين المتطرف، إلى التنديد السريع بالعملية، والتعهد باعتقال المنفذين والتوعد بمعاقبتهم أشد عقاب. وتناولت مقالات الرأي وجوب «محاسبة الذات» لما حصل في القرية الفلسطينية، والتحذير من أن تكون إسرائيل نفسها ضحية اتساع نشاط الإرهابيين اليهود إذا لم يتم لجمهم. ولفتت وسائل الإعلام العبرية إلى أجواء التطرف التي تنعكس في صفحات التواصل الاجتماعي، وإلى التأييد التي تلقاه عمليتا دوما وطعن المثليين من المتصفحين، خصوصاً الهجوم العنيف الذي لا يزال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين يتعرض اليه على خلفية تنديده ب «الإرهاب اليهودي». ولم يتردد رئيس مجلس محلي يهودي في توصيف ريبلين بالمريض النفسي، بينما انفلت متصفحون في التعليق على موقف الرئيس في صفحته على «فايسبوك» بوصفه ب «الخائن» ونشر صورة له يعتمر الكوفية الفلسطينية وتهديده بالقتل: «نهايتك اقتربت»، و»إن شاء الله تُحرق أنت وعائلتك». واعتبر رئيس جهاز «شاباك» سابقاً النائب من «ليكود» آفي ديختر «الأجواء الكلامية العنيفة» ضد ريبلين ومسؤولين كبار بالمقلقة، وقال إنه لا يجب التعامل بتهاون مع قاذفي الزجاجات الحارقة، ويجب اتخاذ إجراءات قضائية وإدارية صارمة ضد المخربين اليهود. وقالت زعيمة حركة «ميرتس» اليسارية النائب زهافه غالؤون إن ثمة علاقة مباشرة بين التصريحات التي تطلقها «جهات في الحكم» وبين من يأخذ سكيناً أو زجاجة حارقة لتنفيذ جريمة، « إضافة إلى أن مواصلة السيطرة على شعب آخر تزيد من الكراهية التي تُطبخ على نار هادئة». و قال رئيس «شاباك»، وزير العلوم سابقاً يعقوب بيري إن ما حصل في قرية دوما كان متوقعاً، وإن الخطأ الأساس كان في عدم اعتبار الحكومة الأمنية السابقة منفذي عمليات «تدفيع الثمن» إرهابيين والتعامل معهم على أساس هذا التعريف، ما يتيح لمحققي «شاباك» استخدام وسائل تحقيق قاسية. وأضاف أن العقوبات التي أنزلتها المحاكم على من اعتقل في السابق كانت سخيفة، ولم تشكل أي رادع للقيام بعمليات مماثلة. ورداً على استفسار محاورته في الإذاعة العبرية عن أسباب العقوبات المخففة التي تفرض على منفذي عمليات إرهابية من اليهود قياساً بالأحكام القاسية ضد منفذي عمليات مماثلة من الفلسطينيين، قال بيري ما لم يسبق لأحد ان قاله بهذا الوضوح: «الأجواء في إسرائيل عنصرية وتزداد تطرفاً... كأن كل شيء أصبح مسموحاً... تصريحات متطرفة لسياسيين ليسوا فقط من المعسكر اليميني المتطرف فحسب ضد الجهاز القضائي... والقضاة كما محققو شاباك والشرطة يتأثرون هم أيضاً بهذه الأجواء المتطرفة وتصيبهم بالعدوى، هم أيضاً من لحم ودم، وعليه تأتي الأحكام مخففة أو سخيفة أحياناً». وأضاف ان الحل ممكن فقط بقرارات حكومية وتشريعات جديدة واضحة تعتبر منفذي عمليات كهذه إرهابيين. في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أن المتطرفين اليهود الذين أقدموا على حرق الرضيع علي دوابشة وأفراد عائلته في قرية دوما جنوب نابلس، هم من اليمين المتطرف الذين تربطهم علاقة مع المجموعات الدينية المتطرفة التي أقدمت على حرق المساجد والكنائس وبيوت الفلسطينيين في الضفة العام الماضي. وأشارت إلى أن هذه التقديرات تتبلور بصورة عالية في أوساط المحققين الذين يتولون عملية البحث في حرق بيت العائلة دوابشة. وأضافت أن النواة الصلبة لهذه المجموعة تتكون من عشرات الناشطين الذين ينطلقون من البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة، الا انهم يتحركون تقريباً في كل أنحاء إسرائيل. ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المجموعة لا تعمل وفقاً للأسلوب السابق كردود فعل على بعض القرارات الحكومية المتعلقة بالاستيطان في ما عرف ب «تدفيع الثمن» و»زعران التلال»، بل اصبحوا ينطلقون من اسس ايديولوجية تعمل على تقويض الاستقرار في الدولة العبرية، وإقامة نظام جديد يستند الى الشريعة اليهودية. وذكرت ان شرطة الاحتلال و»شاباك» تمكنوا من ضبط وثائق تعكس حقيقة هذه الأفكار الجديدة والتوجه الجديد لهذه المجموعة، من خلال ممارسة اعمال عنف متواصلة وممنهجة. وأحد المتطرفين الذين عبر عن أفكار حول تصعيد الاعتداءات ضد العرب يدعى مائير إتينغر (23 سنة) الذي يسكن في بؤرة استيطانية عشوائية في شمال الضفة، وهو حفيد الحاخام الفاشي المأفون مائير كهانا. وكتب إتينغر مقالاً بروح هذه الأفكار ونشره في موقع «الصوت اليهودي» الإلكتروني. وطلب «شاباك» بداية العام الحالي وضعه قيد الاعتقال الإداري، إلا أن المدعي العام الإسرائيلي شاي نيتسان رفض ذلك. وفي نهاية الأمر، جرى إبعاد إتينغر إلى صفد.