تراجعت واردات الغذاء، بما في ذلك القمح، إلى ليبيا صاحبة أعلى معدل لاستهلاك الخبز للفرد في العالم مع عزوف شركات الشحن الأجنبية عن القيام برحلات مباشرة بسبب تفاقم الاضطرابات. وتعاني ليبيا من الفوضى في ظل صراع بين حكومتين وانتشار جماعات مسلحة ومن بينها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المتشدد. ولا يوجد ما يشير إلى نقص في الغذاء حتى الآن لكن أسعار بعض المواد بدأت ترتفع بسبب زيادة تكلفة التأمين أو بسبب الشحن البري الأعلى تكلفة عبر بلدان مجاورة. وقصفت طائرات حربية تابعة للحكومة المعترف بها دوليا والتي تتمركز في شرق البلاد عدة موانئ تجارية يسيطر عليها خصومها كما هاجمت سفنا تقول إنها تخدمهم برغم إنكار ملاك السفن لذلك. وقال مدير النقل لدى شركة المحاماة "دي.دبليو.إف" جوناثان موس التي تمثل شركات للتأمين إن "المخاطر حاليا باتت شديدة للغاية لدرجة أنه ينبغي لملاك السفن الاتصال بشركات التأمين قبل كل رحلة". وأضاف "النصيحة الأمنية للسفن التي تزور ليبيا قد تتغير من يوم لآخر، تلقت السفن التي تتنقل عبر البحر المتوسط النصح بأن تظل بعيدة عن المياه الليبية". وتصدر ليبيا النفط لكنها تعتمد على الواردات في كل شيء من القمح إلى الحليب لتغذية سكانها البالغ عددهم ستة ملايين نسمة. والخبز قضية بالغة الحساسية حيث لم يجرؤ المسؤولون على المساس بدعمه القائم منذ عهد معمر القذافي. وتبلغ تكلفة الرغيف الواحد ما يعادل سنتين اثنين فقط، وقال مسؤولون في شباط (فبراير) إن احتياطيات القمح تكفي لسد احتياجات شهرين أو ثلاثة وخفضوا الامدادات للمخابز. وبات من الصعب الحصول على الخضراوات وغيرها من الأغذية الطازجة في الجنوب النائي بعدما عطل القتال بين القبائل الطريق إلى طرابلس لكن الامدادات لا تزال جيدة بمتاجر العاصمة وغيرها من المدن الرئيسية. لكن أسعار الأغذية ارتفعت لا سيما في الشرق حيث أغلق القتال ميناء بنغازي الرئيسي لستة أشهر. ولا يزال ميناء طبرق الصغير مفتوحا لكن الشحنات المتجهة لبنغازي تميل لتجنب الطريق الساحلي الرئيسي المار بدرنة وهي معقل للجهاديين في منتصف الطريق بين المدينتين. وقال رئيس مجموعة "اتش.بي" (إحدى أكبر شركات استيراد الغذاء والسلع الاستهلاكية في ليبيا) حسني بي إن "واردات القمح انخفضت 30 في المئة هذا العام وإن أحجام المناولة بالموانئ تراجعت 50 في المئة مع تزايد عزوف البنوك وشركات الشحن الأجنبية عن التعامل مع ليبيا. وأضاف أنهم "يواجهون أزمة وأن عددا قليلا من البنوك مستعد للتصديق على خطابات ائتمان مصرفي ليبية بسبب المدفوعات المتأخرة". وقال إن "صندوقا حكوميا موكلا بتمويل القمح وغيره من السلع الغذائية المدعومة متأخر في دفع مستحقات المطاحن التي تملك فواتير غير مدفوعة بقيمة بليون دينار ليبي بسبب أزمة الماليات العامة للدولة". ومن المتوقع أن يتراوح متوسط واردات القمح السنوية الليبية بين 1.7 مليون و2.1 مليون طن ومن غير الواضح ما إذا كانت ستلبي احتياجات البلاد في الوقت الحالي. وأظهرت بيانات لخدمة "رويترز ايكون" أن واردات القمح الليبية انخفضت إلى 37898 طنا في حزيران (يونيو) من 88597 طنا في أيار (مايو) و144556 طنا في شباط (فبراير). وبلغت الواردات في حزيران (يونيو) من العام الماضي 89747 طنا. وتباطأت أيضا واردات السكر الأبيض الذي استهلكت ليبيا منه في السنوات الأخيرة ما بين 230 ألفا و250 ألف طن. وتسبب القتال على مختلف الجبهات في تراجع انتاج النفط إلى حوالي 400 ألف برميل يوميا وهو ما يعادل ربع مستواه قبل انتفاضة العام 2011 التي أطاحت بالقذافي. وقال مصدر في قطاع تجارة السلع الأولية إن "الموردين يحصلون بشكل متزايد حاليا على السلع من جارتي ليبيا مصر وتونس لكنهم يواجهون خطر عمليات الخطف عند نقل الشحنات برا". وقال المصدر "هذا يعني زيادة الواردات إلى البلدين... فيما يزيد العلاوة التي يتعين أن تدفعها ليبيا". وتنقل بعض شحنات الغذاء المتجهة إلى الشرق عبر مدينة مصراتة في غرب البلاد لكن الطريق الساحلي المحفوف بالمخاطر قد يتعذر استخدامه بعد سيطرة تنظيم "داعش" على تقاطع يربطه بطريق إلى الجنوب وفق ما يتوقعه بعض المحللين. ولا توجد بيانات تجارية جديرة بالثقة في بلد يعاني في ظل وجود حكومتين متنافستين بل وبرلمانيين وجيشين ومؤسستين حكوميتين للنفط ومحافظين اثنين للبنك المركزي بعدما فقدت الحكومة الرسمية السيطرة على العاصمة طرابلس قبل نحو عام. لكن ميناء مصراتة، الذي كان مزدحما بالسفن إلى أن نشب القتال بين الفصائل المتناحرة في تموز (يوليو) 2014، استقبل ثلاث سفن فقط في الفترة من 30 تموز (يوليو) حتى السابع من اب (أغسطس) وذلك بحسب الموقع الالكتروني لمنطقة التجارة الحرة بالميناء. وبات ترتيب المدفوعات أكثر صعوبة بسبب نقص الدولار عقب خسارة إيرادات النفط المصدر الوحيد للعملة الصعبة والميزانية. وأجبر هذا بعض المستوردين على اللجوء إلى السوق السوداء حيث يقول سكان إن سعر الدولار ارتفع إلى حوالي 2.2 دينار مقارنة مع السعر الرسمي 1.38 دينار. وزادت مخاوف الموردين الأجانب بسبب الصراع على الشرعية بين الحكومتين. وتدير الحكومة الموازية في طرابلس صندوق القمح التابع للدولة. وقال مصدر تجاري ألماني "من الصعب القيام بأعمال نظرا لأن البنوك لا تعلم أي حكومة ستتحمل مسؤولية سداد المدفوعات". وأضاف "هناك استعلامات منتظمة عن واردات من الحبوب لكن لا يمكن قول من المسؤول عن البلد ومن ثم من يمكن تقديم شكوى ضده إذا لم تحصل على الثمن".