أطلع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس، الرئيس المصري حسني مبارك على التهديدات الإسرائيلية لبلاده مشدداً على أهمية التضامن العربي لمواجهة هذه التهديدات، وقال بعد المحادثات المطولة التي أجراها مع الرئيس المصري ان الأخير «عبّر عن وقوف مصر مع لبنان قلباً وقالباً ورفضه القاطع كل ما يهدد لبنان حكومة وشعباً وأرضاً». وقال الحريري في مؤتمر صحافي عقده بعد لقائه مبارك في مقر رئاسة الجمهورية في ضاحية مصر الجديدة في القاهرة، إن المحادثات، التي استغرقت نحو ساعتين، «تركزت على مختلف أوجه العلاقات بين مصر ولبنان وعلى الأوضاع الإقليمية والتحديات التي تواجه الأمة العربية». وأضاف: «الرئيس مبارك لا يفوّت فرصة في اللقاء معه إلا ويعبر فيها عن محبته للبنان والوقوف الى جانبه». ووصفه بأنه «رمز كبير من رموز الحكمة العربية ويشكل من موقعه في قيادة مصر القاعدة للتضامن العربي»، معتبراً «أن مصر هي القلب الكبير الذي يتسع لكل العرب، والرهان عليها كبير في هذا المجال». وأشار الحريري الى انه لمس لدى مبارك «تشديداً على وجوب الدفع للعلاقات بين البلدين نحو مزيد من النمو خصوصاً في الشأن الاقتصادي». وعن تعاطي الحكومة اللبنانية مع التهديدات الإسرائيلية لبنان وتعهد الرئيس الفرنسي بهذا الخصوص، قال الحريري: «نتعامل مع التهديدات الإسرائيلية بشكل جدي، وتهديد أي جزء من الأراضي اللبنانية سواء في الجنوب أم في البقاع أم بيروت أم الضاحية هو تهديد لكل لبنان وحكومته واي موقع في لبنان هو من مسؤولية الحكومة اللبنانية، ونحن نعتبر ان التهديدات الإسرائيلية تهديدات للحكومة اللبنانية قبل ان تطاول اي شخص آخر». وعن موقف الحكومة من التظاهرات التي جرت أمام السفارة المصرية في بيروت الأسبوع الماضي، قال الحريري: «لبنان بلد ديموقراطي، وهناك مواطنون أرادوا ان يتظاهروا، وقامت الحكومة اللبنانية بواجبها ونسقت مع السفارة المصرية وبشكل واضح ونشرت القوى الأمنية والعسكرية للحفاظ على الأمن ومعالجة اي خلل امني، ونحن لن نقف متفرجين أمام اي شخص يخل بالأمن خصوصاً مع إخواننا في السفارة المصرية، ولن نتهاون مع كل من يحاول ان يقترب من السفارة، فمصر كانت دائماً الى جانب لبنان في كل المراحل. ديموقراطياً يحق لأي كان ان يعبر عن رأيه ولكن لا يحق له ان يعتدي على سفارة اي دولة، واذا حصل ذلك فسيكون للبنان حينها موقف واضح وصريح ونقف ضده بشكل صارم». وعن الموقف العربي عشية قمة ليبيا، قال الحريري إنه «سيكون هناك موقف عربي موحد تجاه اي تهديدات إسرائيلية للبنان، والمصالحات العربية بدأت بين دول عدة، وسنرى مصالحات أخرى توحد الصف العربي وتساعد العرب على مواجهة التحديات التي تواجههم أكان من قبل اسرائيل ام التهديدات الإقليمية في المرحلة المقبلة». وعن احتمال عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وفشل مهمة المبعوث الأميركي جورج ميتشيل وما إذا قصد بالمصالحات العربية مصالحة مصرية - سورية، قال الحريري إنه بحث هذا الأمر مع الرئيس مبارك، «ولدينا ثوابت عربية تتمثل في مبادرة السلام العربية، والمواقف الفلسطينية المعلنة ومواقف ابو مازن او رؤية سورية للسلام مع اسرائيل، هناك ثوابت في هذه الأمور ولكن مؤتمر السلام هو ايضاً من اجل ان يضع اسرائيل ايضاً في الواجهة، فهي تقول انها تريد السلام في حين انها تتكلم عن الحرب، لذا نحن مع اي أمر من شأنه ان يساعد على تحقيق الثوابت العربية هذه، وفرنسا تعمل بشكل حثيث لإحراز التقدم في عملية السلام، وهذا أمر جيد بالنسبة للمنطقة ولإخواننا الفلسطينيين خصوصاً. اما في ما يتعلق بالمصالحات العربية فهذا امر يعود الى الدول في ما بينها ولكن كلما تحسنت الأمور في منطقتنا العربية تمكنت هذه الدول من مواجهة التحديات». وعن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، قال الحريري: «أقر الحوار الوطني اللبناني بكل صراحة ان الدولة يجب ان تضع يدها على السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وصدر كلام عن بعض الأشخاص، لكن الحكومة أكدت انها ستنفذ هذا الأمر بهدوء وإيجابية، اتخذنا قراراً في لبنان ولا نريد ان نتحدى احداً، ولكن سيادة لبنان هي من مسؤولية الحكومة اللبنانية وكل من يحاول ان يعتدي عليها سيكون له مشكل مع الحكومة اللبنانية». وعن موقف الحكومة اللبنانية من قضية «حزب الله» المنظورة في مصر حالياً، قال الحريري: «القضية في يد القضاء المصري الذي نحترمه، هذا شأن مصري بحت ولن نتدخل في اي شأن مصري». واستبعد «أي عمل تخريبي تعرضت له الطائرة الإثيوبية المنكوبة»، مشيراً إلى أنه «ينتظر نتائج تحليل الصندوق الأسود لنعرف كيف سقطت وما حدث لها منذ لحظة إقلاعها وحتى سقوطها في مياه البحر المتوسط». وعما إذا كان لبنان سيشارك في القمة العربية المقبلة في ليبيا، قال الحريري إن لبنان سيشارك بالطبع ولكن لم يحدد الوفد المشارك بعد. وعما اذا تم التطرق إلى المحادثات التي دارت بين الرئيس مبارك ووزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في شرم الشيخ، قال الحريري: «الرئيس مبارك كان واضحاً وصريحاً في ما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وعبر عن رفضه لمثل هذه التهديدات، وجرى التطرق إلى ما دار في الاجتماع بين الرئيس مبارك ووزير الدفاع الإسرائيلي ولكن هذا الأمر ليس مطروحاً أمام الصحافة». وكان مبارك والحريري استكملا محادثاتهما خلال مأدبة غداء انضمت اليها عقيلتاهما سوزان مبارك ولارا الحريري وجمال مبارك وزوجته خديجة. واجرى الحريري مساء اول من امس، محادثات مع نظيره المصري احمد نظيف، تبعها اجتماع موسع حضره وزراء لبنانيون ومصريون. وفي مؤتمر صحافي مشترك، أكد نظيف «ان العلاقات اللبنانية - المصرية في جميع جوانبها، وتحديداً الاقتصادية في تطور مستمر، حجم التبادل التجاري لا يتخطى 500 مليون دولار للعام الماضي واتفقت مع الرئيس الحريري على ان نضع هدفاً أكثر طموحاً للوصول الى حجم تبادل تجاري يتعدى بليون دولار خلال العامين المقبلين وأعتقد ان باستطاعتنا ذلك».ونوه ب «احتضان لبنان للعمالة المصرية والمحافظة عليها». وسئل الحريري عن «حزب الله» وكيف ان «الحكومة اللبنانية تهادنه ولا تتخذ منه موقفاً لكي لا يتدخل في الشأن الخارجي»، فأكد «ان لبنان دولة ديموقراطية، وأجرينا انتخابات في السابع من حزيران (يونيو) الماضي أفرزت قوى سياسية عدة «حزب الله» جزء منها، كما ان الحزب موجود في مجلس الوزراء وهو شريك في حكومة الوحدة الوطنية. والحكومة اللبنانية تنظر الى قيام أحسن العلاقات بين لبنان ومصر وأي أمر خارج عن ذلك لا نقبل به، ونحن نعرف ان القضاء المصري ينظر في قضية أساسية في مصر وهذا أمر يعني القضاء المصري، ونحن نرفض أي تدخل خارجي في أي شؤون مصرية». وعن التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة للبنان، قال الحريري: «اذا كان رهان اسرائيل ان لبنان سينقسم في أي مرحلة من المراحل اذا حصلت مواجهة، فهذا أمر يجب على اسرائيل ان تزيله من ذهنها، كل العرب يتكلمون عن السلام واسرائيل هي التي تتحدث عن الحرب، فمن الواضح من الذي يريد السلام ومن يريد الحرب، اسرائيل تقوم كل يوم بخرق القرار 1701 ولغاية الآن يوجد 6500 خرق جوي للأجواء اللبنانية. نحن نرفض كحكومة وكدولة هذه التهديدات». الجامعة العربية من جهته، أكد رئيس مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير هشام يوسف «تضامن الجامعة الكامل مع لبنان فى وجه التهديدات الإسرائيلية الفظة بالهجوم على هذا البلد العربي الذي طالما عانى الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية وما يزال يعانى احتلالاً لأجزاء من اراضيه». وقال في بيان صدر عن الجامعة أمس إن «هذه التهديدات ستُؤخذ على محمل الجد وسيتم إجراء الاتصالات اللازمة مع الأطراف الفاعلة على المستوى الدولي لعدم السكوت عنها». وطالب الأممالمتحدة وأمينها العام الإعلان عن الرفض الصريح لهذه التهديدات ومطالبة إسرائيل بالرجوع عنها، مشيراً إلى أن «استمرار الحصانة الممنوحة لإسرائيل من القانون الدولي ستكون له عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار في المنطقة». وأضاف: «ننتظر من الإدارة الأميركية التي وعدت بالعمل على جلب السلام للشرق الأوسط أن تأخذ موقفاً واضحاً في رفض هذه التهديدات... الصمت الدولي على مثل هذه التهديدات يبعث برسالة سلبية إلى الشعوب العربية التي فقدت الثقة في نيات إسرائيل».