ثمة نظريات متعدّدة حول السبل الآيلة لإيجاد نظام غذائي شامل يضمن للإنسان حياة صحية تخلو من الأمراض جسدياً ونفسياً. ويرتكز بعض النظريات الى مفهوم «الطبيعة»، معتبراً إياها أم البشر ومصدر الخير والمنعة، أو إلى مثيولوجيا الشعوب القديمة. وفي المقابل، تشدّد بحوث علمية متقاطعة، ظهرت في الآونة الأخيرة، على مفهوم ال «ماكروبيوتيك» Macro Biotic المشتق من كلمتين يونانيتين هما «ماكرو» Macro وتعني الكبير، و «بيو» Bio ومعناها «الحياة». ويعتبر الفيلسوف اليوناني إبوقراط الأب الروحي لهذا النظام، وقد اشتهر عنه عبارة «الغذاء دواؤك» التي تشكل المدخل الرئيس لسبر أغوار نظام ال «ماكروبيوتيك» وفك رموزه. واستند إبوقراط الى الفلسفة اليونانية التي رأت ان الإنسان جزء مما حوله من ارض وسماء، يؤثر فيهما ويتأثر. ولأن الإنسان يعتمد على الشمس والهواء والماء والنار والبيئة، تشغل هذه العناصر حيزاً كبيراً من حياته، وتدخل الى جسده من طريق ما يقتات به من نبات وحيوان وماء. واعتبرت تلك الفلسفة أيضاً أن الإنسان منذ الأزل صديق البيئة التي يعيش عليها، كما أنه ابن الطبيعة التي توفر له الصحة والبقاء. وتأثّر الدكتور كريستوف ويليم هوفلاند طبيب القيصر الروسي فريدريك الثالث، بهذه النظرة الفلسفية اليونانية. وألّف كتابه الشهير «الماكروبيوتيك: فن الحياة الطويلة» (1797). واعتبر هذا الكتاب حينذاك مرجعاً أساسياً للطب الوقائي. ويُعتبر الطبيب الياباني جورج اوهساوا المؤسس المعاصر ل «الماكروبيوتيك». وقد اطّلع على هذا العلم عِبر كتاب الروسي هوفلاند، ومن متابعته نمط الأغذية اليومية لبعض الرهبان المشهورين بطول العمر. وبنى على تلك الأمور، نظريته المعروفة ب «فلسفة الحياة»، التي تعتمد على نظام غذائي متوازن يحصّن الجسم من الأمراض ويزيد طاقته الحيوية. وكذلك يُنظَر الى الياباني ميشيو كوشي الذي وصل الى الولاياتالمتحدة عام 1949، المصدر الأول لفلسفة «الماكروبيوتيك» حاضراً وآلياتها. وقد وصفها في كتابه «النظام الفريد» بأنها تتضمن ثلاثة عناصر هي الحفاظ على الصحة، والغذاء المتكامل وتجنب الأمراض الفتاكة. توازن الإنسان والطبيعة يبدو ال «ماكروبيوتيك» أشبه بنظام غذاء نباتي. وفقاً لريجيم كوشي، يتكوّن الغذاء اليومي من الحبوب بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المئة، ويأتي الباقي من الخضار والأعشاب والطحالب ومواد الصويا المخمّرة والأسماك البيض. وتمثل الأطعمة المشتقة من المواد الحيوانية 20 في المئة من الغذاء. وتتغيّر هذه النِسَبْ بحسب حال الشخص جسدياً ونفسياً وصحياً. ويشير كوشي إلى ان الهدف من ال «ماكروبيوتيك» هو الوصول الى توازن بين الإنسان والبيئة، كما يدعو الى اختيار الأطعمة الطازجة التي لم تستعمل في زراعتها الأسمدة، وخصوصاً الأطعمة المحتوية على الألياف السهلة الهضم. ويحثّ على تحضير الطعام جيداً، بعد تنظيفه وتعقيمه. كما يدعو الى تجنب المواد المجلّدة او المصنّعة او المعلّبة، لأنها تفقد الكثير من مكوناتها غذائياً. ويحضّ على الابتعاد عن الأطعمة التي تحتوي كميات كبيرة من الدهنيات والنشويات، إضافة الى السوائل الغازية. ويعتقد كوشي الأطعمة «المثالية» خط دفاع عن سلامة جسم الإنسان وصحته وعقله، لأنه يعتقد بأنها تنشط خلايا المخ والجهاز العصبي كما تساهم في شفاء بعض الأمراض الشائعة. وفي تقدير كوشي ان الغذاء المتوازن يعتمد على 3 عناصر: التنوّع الذي يوفّر الفيتامينات والمعادن والدهون والبروتينات والمواد النشوية والماء. التوازن بحيث يتناسب الغذاء مع حاجة الفرد وطاقته وعمره وجنسه وحاله فيزيولوجياً. النظافة واتباع القواعد الصحية الوقائية في تحضير الطعام وإعداده وتخزينه وعدم تعريضه للتلوث. شكوك طبية متنوّعة خلافاً لزعم القائلين بفعالية ال «ماكروبيوتيك» طبياً، خصوصاً علاقته بعلاج بعض الأمراض الخطيرة، أكّدت دراسة أصدرتها «الجمعية الأميركية للسرطان» American cancer society عام 2007، انعدام الأدلة علمياً عن صحة الزعم بقدرة نظام ال «ماكروبيوتيك» في شفاء الأمراض. وتذهب الجمعية عينها للقول ان كمية الألياف الموجودة في بعض الأطعمة، ربما ساهمت في إيذاء بعض المرضى. وتحذّر «الأكاديمية الأميركية للأطفال» American Academy of Pediatric من خطورة الماكروبيوتيك على الأطفال الذين يتناولون الحليب، اذ يفقدهم عنصري الكالسيوم وفيتامين «د»، ويتسبب في تليين عظامهم وتأخير نموها. وتحذّر أيضاً من المخاطر المترتبة على استثناء نظام ال «ماكروبيوتيك» لبعض الأطعمة التي تحتوي على الحديد وفيتاميني «س» و «ب 12»، وهي عناصر ضرورية لنمو الجسم ومناعته. باختصار يمكن اعتبار ال «ماكروبيوتيك» أكثر من ريجيم وأقل من نظام غذائي متكامل. انه نمط حياة وعيش، يختلف بين شعب وآخر باختلاف العادات والأذواق والمناطق والممارسات الغذائية.