دفع مواطن كردي أب لسبعة أطفال في مدينة السليمانية، شمال العراق، زوجته إلى الانتحار بإطلاق النار على نفسها بعد شجار بينهما حول أحقية مشاهدة برنامج تلفزيوني محبب لأحدهما على ما يبدو. من جهتنا لا نعرف ما هو البرنامج الذي تقاتلا من أجله أمام الأطفال السبعة المساكين، ولكن يمكن التكهن بأنه في بيئة تفتقر إلى الكثير من وسائل الترفيه والتسلية والتعليم يمكن أن يكون أحد البرامج جاذباً للأب أو للأم، وأن هذه البيئة شبه المغلقة يمكن أن تودي بالبعض إلى التهلكة كما في حالة هذه الأم الكردية العاثرة الحظ. قد يتساءل بعضهم، ونحن منهم، أنه لو لم يوجد هذا الجهاز الإلكتروني «بالحبيبات الغبشة»، كما كان يحلو لفيدريكو فيلليني أن يسميه في دعاباته الكثيرة، في حياة الناس، فهل كانت ستصل الأمور ببعضهم إلى دفع نصفهم الآخر نحو الانتحار يأساً وهرباً من حياة فيها الكثير من الوجع والألم والضيق؟ من جهته لم يفعل هذا البرنامج التلفزيوني الذي قد يستوفي شروط الترويح عن النفس أو إقصاء النفس إلى زوايا معتمة أو مفرحة سوى أن يكون السبب الرئيس في دفع أم لسبعة أطفال بإطلاق النار على نفسها هرباً من مشاحنات عائلية مزمنة ترسبت بفعل عوامل الجهل والفقر وأسباب أخرى قد لا نعرف عنها شيئاً. ما يفعله التلفزيون في حياة الأفراد، يفعله أحياناً في حياة الجماعات. فهو يجبر زعماء دول على حضور مباريات كرة القدم مرغمين حيناً، ومغرمين حيناً آخر، وقد يجد بعضهم نفسه أحياناً مضطراً لتسول «التعصب» لمنتخب بلاده على رغم أن حدوداً جغرافية وسياسية أزيلت بين بلاده وبلاد المنتخب الخصم. ومع ذلك لا يمكن لهذا الزعيم أن ينأى بنفسه عن مخاطبة «جمهوره» أمام عدسات الكاميرات التلفزيونية، وإلا فإنه سيفقد الكثير من أوراقه وشعبيته في أي انتخابات تدق على الأبواب. عندنا مسألة الحدود تتجذر أكثر فأكثر، ولا يمكن لها – على ما يبدو – أن تلغى أبداً إلا في حال حدوث معجزات اقتصادية وسياسية وتنموية لا وقت لمعاينتها الآن. فالتلفزيون يفعل فعله فينا بطريقته، والمثال المباراة بين منتخبي مصر والجزائر التي لم يكن ممكناً لها أن تأخذ هذا «المنحى الانتحاري» لولا وجود الكثير من الفضائيات التي بحثت عن أكثر الزوايا قتامة واعتاماً في حياة المواطن العربي لتنفذ منها إلى باطن الإثارة المرجوة... حتى أنه بات بالإمكان تصديق أن ثمة فعلاً ما يدفع إلى الانتحار يأساً من أوضاع مزرية يعيشها هذا المواطن على صعيد التعليم والضمان الصحي والتأمين على المستقبل وفرص العمل ومشاريع التنمية، وثمة بالمقابل ما يدفع للنزول إلى الشارع بحثاً عن مكاسب إعلامية ومالية وانتخابية من وراء مباراة فقيرة بكل المقاييس. درس المرأة الكردية المنتحرة جراء شجارها مع زوجها حول برنامج تلفزيوني غير معلوم يشبه الدرس الذي يمكن استخلاصه من مباراة الفريقين (المنتحرين) في لعبة مغلقة لا إرادة لهما فيها.