مدحت البطل يصعد على السطح , يهرب إلى العمارة المجاورة , يدخل من الباب الضيق , تعلق الحقيبة الضخمة التي تظم الملايين في الباب الضيق , لا يستطيع التخلي عنها والهرب , يمسكه رجال الشرطة , يقيدونه , يقتادونه للنيابة العامة , ينتهي المشهد السينمائي المثير.. يظهر شكري ببدلته القشيبة , بطينا سمينا أصلع , يظهر المكر من عينه , وتنبعث الثقة من مشيته , يدخل للمحكم , في المدخل يصرح للاعلاميين أن موكله مدحت بريء , يترافع بخطبة مطولة , يتلاعب بالمشاعر , يقدم شهود الزور , تتلوهم أدلة مزورة , يخرج من قاعة المحكمة وبيده اليمنى مدحت البطل , وبيده اليسرى تلك الحقيبة التي تحوي ملونا ونصف المليون من قيمة المخدرات التي باعها مدحت .. ببساطة , شكري المحامي كان بارعا في المكر والظلم والغش والخداع , ولم يصمد أمامه صفوت ذلك المحامي المنتف الضعيف المتردد الذي تولى المطالبة بحق خاص لنجوى المظلومة ضد مدحت السارق .. هذا ما تربينا عليه مذ نعومة أظفارنا من خلال السينما لا سيما المصرية منها , وقد كنت أظن أن المحامين كائنات مصرية صرفة , لأنني لم أسمع بها في بلدي , ثم شاءات الأقدار , أن أعمل في مكتب محاماة سنين عددا , فجاءني مدحت يريدني أن أكون له شكري , وجاءتني نجوى وهي تنظر إلي بيأس وهي ترى في صفوت , ومهما حاولت أن أزيل تلك الغشاوة السينمائية , إلا أن علائقها تبقى , فكيف يصدقوني وأنا أعمل في مكتب محاماة , هل يحدث أن يمثل المدعى عليه المدعي , أو العكس.. لأكون صريحا معكم , فهذه النظرة الخاطئة عن المحاماة لا تزعجني , في حالة كان صاحب النظرة عاميا عاديا , أقصى ما قرأه من الكتب تلك الملخصات التي قرأها للاختبار , أو تلك البراشيم التي نقشها أثناء الاختبار .. لكنني أبلغ أعلى درجة من الانزعاج , والرغبة في القيام بعملية انتحارية (من السباب والشتائم) , هو عندما يأتيك من يدعي الثقافة , وحامل شهادة عليا , لا ينظر إليك بنفس النظرة الخاطئة والتي يؤمن هو أنها خاطئة , لا بل يطلب منك القيام بذلك الدور السينمائي الخاطيء ذاته.. باختصار: يفتيك بعدم جواز الصلاة بدون طهارة , ثم يطلب منك أن تنقض أثناء الصلاة .. ولكن لأكن أكثر صراحة , هذا لا يزعج لدرجة الانتحار , تلك درجة من الازعاج ما بلغها إلا ذلك المحامي الذي لم يفهم من المحاماة إلا ما تلقاه عبر المسلسلات السينمائية , وهو مع دراسته النظرية للقوانين والأنظمة , إلا أنه في الممارسات ينقل خارطة ذلك المخرج الذي حدث الممثل بضرورة الاحتيال في المشهد .. أخي المحامي الذي تناسى أن المحاماة وقوف مع الحق ضد الباطل , ومع المظلوم ضد الظالم , مالذي ينفعك أمام الله إذا قلبت المعادلة , لا ينفعك يوم القيامة أن تقول المخرج يريد كذا.. أخي المواطن المظلوم تأكد أن المحامي بشر حقيقي وليس بممثل, وأن الحق أبلج والباطل لجج .. لنأخذ اتصال .. ينبغي أن تنشأ حملات عامة لتعريف الناس بالمحاماة ,ورفع الوعي الحقوقي, ونشر الثقافة القضائية ...صدقت أخي المتصل: ليته يكون ذلك ... للأسف انتهى الوقت يا مدحت بيه..