أتساءل غالبا ما سر استخدامنا للأسماء المستعارة في تفاعلاتنا مع المواقع الإلكترونية وما تنشره من مواضيع ؟ طبعا بالنسبة للمرأة قد نستميح لها العذر ولكن بالنسبة للرجل فقد تكون تلك الثقافة إما أننا منافقين نقنع حقيقتنا السيئة لكي تنضح قلوبنا بخبثها كيف شاءت ، أو أننا جبناء نخشى ردة الفعل ضد حقيقة ما نشعر انه لا يليق بنا الإفصاح عنها، وفي نفس الوقت لا نجهل أن ما نكتب لا يخفى على الله ولا على أقلام الموكلين بتسجيل حسناتنا وسيئاتنا. إن الاسم المستعار قناع يضلل الناس ويفتح المجال لسرائرنا السيئة أن تأخذ أريحيتها في التلفظ بما لا يليق تحت مبرر الرأي والرأي الأخر ، ولكن عندما نكتب بأسمائنا الصريحة نجد أننا نتصنع الخلق والقيم الجميلة والثقافة المتعقلة ، فهل نحن سيئين إلى هذا الحد مع أنفسنا ومع من حولنا ؟ إن الأسماء المستعارة ترسخ ثقافة النفاق في النفس وتجعل منا منافقين متصنعين متزلفين وجبناء ، وهذا ليس من قيم ديننا وخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وألصحابة والتابعين ، فلماذا نحن ننمي تلك الأخلاق الذميمة فينا وفي أجيالنا. معظمنا يتابع تلك الردود والتفاعلات تحت أسماء مستعارة وتحت أقنعة مزيفة حيث نجد غالبيتها تنضح ليس بفكر متخلف وثقافة هزيلة فحسب بل توضح أن خلف القناع نفوس خبيثة شريرة تُلبس الحق بالباطل والباطل بالحق وتشوش الرؤية والمفاهيم. كنت أتصفح احد المواقع الأجنبية فكان هناك رد من احد المتفاعلين استوقفني كثيرا ، حين قال متسائلا ومتعجبا وساخرا في وقت واحد : (عجب من هذا الزمن النفوس المريضة والعقول المحدودة أطول ألسنة وأكثر جراءة في الكلام ، بل وأصبحوا يحكمون ويجزمون ويصنفون ويقصون ويقربون ويجادلون في شؤون أمة ويقررون ويفرضون, والعقلاء مكممي الأفواه محتارين متعجبين بأنهم ينساقون قصرا إلى الفتن والمهالك دونما زاجر أو رادع لتلك الأبواق ومنافيخ الكير التي تسير جحافل خلف موارد الهلاك والاقتتال ، فكيف بموضوع يقرأه عشرين ألفا ويتكلم فيهم أربعون شخصا هم أقل الناس عقلا وفكرا وأكثرهم حمقا وجهالة ، فهل هم يمثلون العشرون ألفا الذين التزموا الصمت واكتفوا بالمتابعة أم أن الأغلبية الصامتة حمقى جميعا والعقلاء فيهم هم الأربعون شخصا في كلتا الحالتين تعتبر مصيبة وهي ما تؤكد وتنذر بمصائب أكثر ضررا بالفرد والمجتمع ) فمن خلال كلامه الذي أوجزته فيما سبق شاهدت الفتن المستعرة في الدول من حولنا فوجدت أن سبب الاقتتال والانشقاق والمصائب بسبب ألسن الحمقى وأفكار المغفلين الذين لا تكبح ألسنتهم لا قيم دينية أو أخلاقية بل ومحدودي الفكر والرؤية من خلال ما ينطقون ولا يدركون عواقب ما يقولون ، حيث تجد في ثنايا كلامهم عبارة الشوارع من سب واحتقار وابتذال ,وهي ثقافة الهمج الذين لا يدركون ما خلفهم أو ما هم مقبلين عليه غير مبالين بأنفسهم حتى يبالوا بمن حولهم فلبئس المآل والمنال إذا كانت هي تلك الثقافة السائدة والرائجة في زمان الفتن المدلهمة والمصائب العظام ، والعرب بطبعهم همج لولا دين الإسلام وقيمه التي جعلتهم من خير الأمم وما إن تركوا قيم دينهم إلا عادوا همجا. ولعل الحال الذي نعيشه حاليا من الهمجية المتنامية في مجتمعاتنا مع الأسف خير مثال على ذلك ، فهلا وقفنا عن همجيتنا وقلصنا من جراءتنا وإسهابنا في لبس الأقنعة والثرثرة وتسويق الأخلاق والقيم الذميمة, فالشر قد يندلع خطره بكلمة وقد تسفك دماء بكلمة وقد تتألم نفوس بكلمة وقد تهوي أجسادنا في قعر جهنم بكلمة ، فلم تخلق ألسنتنا عبثا لنعبث كيف شئنا, ولنكن لبعضنا عونا على الرقي بأنفسنا من محافل وجحافل هذا العصر المتقلب والمخيف . والله من وراء القصد.