تمثل عملية مقتل د.خليل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، مع 30 من قيادات الحركة في 24 من ديسمبر2011 في محافظة ود بندا بشمال ولاية شمال كردفان تحولا نوعيا في قضية دارفور، إذ أنه من المتوقع أن تلقي تلك العملية بظلالها على حركة العدل والمساواة نفسها، بعد أن فقدت قيادتها التي حملت أعباءها على مدى سنوات منذ تأسيسها في العام 2003 ، وكذلك على مستقبل التحالفات السياسية والعسكرية فى إقليم دارفور، مرورا بجهود التسوية السياسية المتعثرة، أو تحالفات الحركة داخل السودان وخارجه. إن تداعيات الغياب المفاجئ للقيادة الكارزمية لحركة العدل والمساواة ستؤثرسلبا فى عمل الحركة، وتحتاج لوقت ليس بالقصير لتستعيد توازنها. كما سيمثل وضع قيادة توافقية جديدة معضلة أخرى، حيث يجب أن تستحوذ على احترام مقاتلي الحركة،وتقليل الانشقاقات التي شهدتها حركة العدل والمساواة، وآخرها العدل والمساواة- جناح محمد بحر،وذلك سيعتمد على مدى سيطرة القيادة الجديدة على الأوضاع على مستوى الميدان، وعلى مستوى القيادات السياسية الأخرى، خاصة فى الخارج، وهذا ما سيتضح مع الأيام. ولعل اختيار القيادة يثير تساؤلات من قبيل:هل سيتم على أساس انتخابي؟،أم على أساس إثني أوجهوي؟، لكن حدوث صراع حول قيادة الحركة قد يعصف بها نهائيا، وبجهود التسوية السياسية فى دارفور. ويبدو غياب خليل إبراهيم عن المشهد فى دارفور مؤثرا فى أكثر من اتجاه، الأول يتعلق بمدى إيمان القيادة الجديدة فى حركة العدل والمساواة بأن حل مشكلة دارفور لن يتحقق عبر البندقية. ثانياً: دخول الحركة فى مفاوضات جدية بين الحركة والحكومة وفرص دخولها ضمن سياق مفاوضات الدوحة. ثالثاً: أن تسير الحركة على طريق خليل، وتواصل الحرب في دارفور وغيرها، وبهذا يثبت أن خيار الحرب ليس خيارا خاصا بخليل، بل هو خيار جميع قيادات حركة العدل المساواة، فتضعف فرص السلام، مما يؤثر فى مستقبل قضية دارفور برمتها. من جانب أخر، يؤثر غياب خليل إبراهيم فى الجبهة الثورية وتنظيم كاودا الذي أسسته حركة العدل والمساواة،وكذلك الحركة الشعبية- قطاع الشمال، وحركة تحرير السودان- جناح عبدالواحد نور، وحركة تحرير السودان -جناح منى أركو مناوي، وبعض القوى السياسية الشمالية بصورة كبيرة. وقد يكون هذا التأثير سلبيا لأن الجبهة الثورية وتحالف كاودا كانا بحاجة لرموز أو قيادات لديها علاقات إقليمية ودولية. ولكن بغياب خليل، لا يكاد يظهر شخص آخر لديه كاريزما قيادة جماعية. ولذا، إذا تشرذمت حركة العدل والمساواة، فإن ركنا مهماً في معادلة الجبهة سيكون قد سقط بسقوط وزن حركة العدل والمساواة. من ناحية أخرى، قد يعتقد أفراد الجبهة الثورية أن اختفاء خليل بخلفيته الإسلامية سيفتح الطريق لصعود آخرين أقرب فكريا لتيار الجبهة الثورية اليساري العلماني الليبرالى، وبهذا تكون الجبهة قد تخلصت من رجل مثل خليل الذى كثيرا ما أرق دوائر في الغرب، خصوصا بعد تشكك بعض الدوائر في علاقة خليل بالمؤتمر الشعبي الذي يقوده دكتور الترابي. لا شك فى أن حكومة جنوب السودان سوف تخسر بفقدها أحد أقوى حلفائها المحتملين، بينما ترتاح أوساط الحكم فى تشاد لرحيل خليل الذي تمرد على سلطتها، والتى اتخذت قرارا سابقا بإبعاده عن أراضيها. أما حكومة الخرطوم، رغم حالة شبه الطمأنينة التي تشعر بها الآن بعد غياب خليل ، فإنها لن تستطيع أن تتنفس الصعداء إلى حين معرفة اتجاهات رياح التغيير داخل حركة العدل والمساواة، وهذا يفرض سؤالاً: هل ستمضي حكومة الخرطوم تجاه الحرب أم باتجاه مفاوضات سلام ؟. ومن المؤكد أن المؤتمر الشعبي فقد حليفا استراتيجيا له يناوش الخرطوم إعلامياً وعسكرياً، فالمؤتمر الشعبي دافع عن حركة العدل والسماواة، وعقد عليها آمالا عريضة لتغيير معادلات السلطة في الخرطوم. ولكن بمقتل خليل، سوف تكون هنالك معادلات كثيرة ستتغير، وقد نشهد الأيام المقبلة بدايات هذا التغير، حين تعلن الحركة عن قيادتها الجديدة. كما جاء مقتل خليل متزامنا مع أحداث تصب فى مصلحة النظام السوداني، إذ إنه وبعد زيارة وزير الدفاع السودانى، عبدالرحيم محمد حسين، لأديس أبابا،أعلنت الحركة الشعبية - قطاع الشمال، بقيادة مالك عقار، أنها أطلقت سراح الأسرى الحكوميين بسجونها،فى خطوة تفسر وجود ضغوط مورست على الحركة الشعبية- قطاع الشمال من أديس أبابا. وربما ألقى هذا التفاهم بظلاله على العلاقة بين الشمال والجنوب، وبرز هذا فى إطلاق سراح أسرى الشمال لدى الحركة الشعبية- قطاع الشمال. وهذا يعنى أن هنالك تفاهما كبيرا بين وزارتي الدفاع فى شمال وجنوب السودان بعيدا عن الأجواء السياسية المتباينة في وسائل الإعلام. وفى اتجاه آخر، خرجت قمة البحيرات التي عقدت فى كمبالا فى الفترة 15-16 ديسمبر 2011، بمشاركة 11 دولة، بضرورة مكافحة حركات دارفور المسلحة، باعتبارها تهدد الأمن والسلم فى المنطقة ، وهو ما يمثل عاملا ضاغطا على علاقة الحركات المسلحة، ومنها العدل والمساواة، خصوصا بعد مقتل قائدها، الأمر الذى يدعو إلى التفكير فى المستقبل بصورة مختلفة. ولأول مرة، تلتقى مصالح الخرطوموجوبا بكمبالا فى مكافحة حركات دارفور وجيش الرب الأوغندي بقيادة جوزيف كونى، بالإضافة إلى الثوار الجنوبيين.أما الحركة الشعبية فى شمال السودان وقضية دارفور، فهى بالنسبة لسلفا كير مجرد كروت يمكن التنازل عنها لمصلحة دولته الوليدة واستقرارها قبل أن يحكم عليها بالفشل. فسلفا كير لمس جدية الحكومة فى إقامة المشورة الشعبية بمنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، من خلال توقيعها اتفاقية السلام الشامل أولا، وإيفائها بحق تقرير مصير الجنوب ثانيا، وهو على يقين بأن الحكومة، التى وقعت مع قرنق اتفاق سلام أنهى الحرب، قادرة على توقيع اتفاق آخر مع عقار، والحلو دون ياسر عرمان، لأن الأخير هدفه إزالة النظام بالكامل، والأخران يهدفان لمصالح منطقتيهما. كما تبدو هناك إشارة مهمة فى تزامن مقتل جورج أطور قبل أيام من مقتل خليل -وجورج أطور هو متمرد جنوبي تزعم الحركة الشعبية تلقيه دعما من حكومة الشمال- وإذا افترضنا أن الخرطوم تدعمه فى حربه ضد جوبا، فلا يمكن تركه بهذا اليسر،إلا فى حالة واحدة، هى أن يكون الطرفان قد نظرا إلى مصالحهما العليا المتمثلة فى الأمن، والاستقرار، ومعالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة لكليهما. فتخلت الحكومة السودانية -وفقا للافتراض- عن أطور، وتنازلت حكومة جنوب السودان عن خليل الذى جاهد ضدها يوما من الأيام تحت ميليشيات الدبابين، قبل انقسام الحركة الإسلامية فى عام 1999. ووفقا لقمة البحيرات العظمى، ستكون أوغندا مضطرة لمحاربة حركات دارفور التي تتخذ من أراضيها منطلقا للتمرد على حكومة السودان. فى المقابل، يجب على الخرطوم الكف عن دعم جيش الرب. وهذا الاتفاق ربما سيكون له أثر بالغ على خيارات قيادات الحركات المسلحة فى إقليم دارفور، ويدعم موقف حكومة الشمال فى المفاوضات، ويعزز من سيطرتها على الإقليم، وتنفيذ أجندتها على الأرض.