وصلتني نسخة من خطاب/ نداء من جماعة سعودية تدعو الى "مقاطعة" انتخابات المجالس البلدية عندنا المزمع اجراؤها يوم الأحد، 22من شهر مايو،2011م / 12من جمادى الآخرة،1432ه. (مع بدء تحضير/ تحديث قوائم المقترعين قبله بشهر، في السبت 23من ابريل/ 12من جمادى الأولى،1432ه) وأحبُ ان انوّه بأني شعرت بنفس حنق اولئك المنادين.. بل وحتى راودتني فكرتهم "للمقاطعة" إلخ. لكني سُرعان ما وجدت ان كفة عقلي غلبت كفة عاطفتي. و توالى في ذاكرتي ما كان قد تجمع عندي عبر السنين. لقد حزنت كثيراً أن الانتخابات المحلية المنصرمة..حينما لم تتمكن النساء عندنا من المشاركة؛ و حين كان التصويت لاختيار فقط نصف اعضاء المجالس؛ و حين لم يتحدد بوضوح مدى صلاحيات المجلس أصلاً. ثم حين.. تبع ذلك.. "تأجيل" عقد الانتخابات في دورتها المقرر لها سابقاً في 2009م.. لحولين كاملين! ثم، بعد أن تقرر مؤخراً عقد الانتخابات..الآن في 2011م.. تضاعفَ حزني وتعمّقَ أسفي وتألمي عندما تبيّن أن "دار ابي سفيان باقية على حالها"..عندما اعلن منذ أيام متحدث اللجنة التنظيمية/ أ.عبدالرحمان الدهمش..عن التخطيط لعدم السماح بمشاركة النساء،.. لا ترشيحاً و لا ترشحاً.. في الانتخابات الوشيكة الحدوث؛ و أيضاً عن بقاء عناصر مأسوفة أخرى.. مثل انتخاب فقط نصف اعضاء المجلس. في "النداء" المنوه به اعلاه، قام الاخوة مُعدّوه بتعداد أسباب ستةً (قمت بإعادة صياغتها كما يلي): 1. المضي في رفض مشاركة المواطنات في الانتخابات البلدية المزمعة..بعد أن كنا قد وُعدنا قبل عدة سنوات بالعزم على السماح بذلك؛ 2. الانتخابات البلدية ليست بديلاً عن الانتخابات البرلمانية؛ 3. المجالس البلدية هي أصلاً بدون صلاحيات واضحة؛ 4. حصيلة المجالس السابقة لا تذكر؛ 5. ضعف نجاح الانتخابات في ظلال نظام عشائري؛ واختتم النداء بقوله: 6.(...)هل هذا (كل) ما هنالك من إصلاحات سياسية؟؟ أ.ه و لكني.. بدوري.. اقترح و اطلب عدم المقاطعة، و ذلك للأسباب التالية:- 1. ان المشاركة ذاتها.. في نهاية المطاف..ستأتي بالايجابية..اكثر من "فوائد" المقاطعة. 2. ان المرشحين (غيرالمرغوبين) سينعمون بكل مقاطعة.. فهم سيفرغ لهم المجال.. وسيخلو لهم الميدان، بينما سوف لن يعبأوا بمن يتوارى أو ينسحب أو يقاطع. 3. مع عدم تواجد مراقبين من قِبل المرشحين "المرغوبين".. سينطبق المثل المحلي عندنا: "مين داري عنك ياللي في الضلام (الظلماء) تغمز؟!".. أو بالبدوية: ما عندك أحد! 4. و في تلك الحالة -غياب المنافسة الخ- فقد تأتي قوائم النتائج "الأخرى" أقرب إلى الأربع تسعات المألوفة في انتخابات شرقنا!.. بل و قد تأتي (..مع غياب أي تسجيل للرأي المغاير) ما يقارب و يتعدى الخمس تسعات! و سيتم نسيان نسبة "المسجلين" أصلاً.. أو حتى نسبة "المشاركين". وستلمع فقط النِّسَب التي حصل عليها "الفائزون".. وستطفو الأربع تسعات!! فالذي أراه --رغم المآخذ المعدَدة..هو أن لا يقاطع و لا يتوارى أحد؛ و علينا ألا ننسى أن "الآخرين" يرون أنفسهم بأنهم رضيّون مرضيون وكأنهم كائنات بلورية الصفاء ماسية النقاء. بل يفضّلون لو كانت النتائج لصالحهم و بنسبة 100%! و لقد كان لهم -في انتخابات المجلس البلدي المنصرمة- الباع الأطول في تجييش الناس والتواصل معهم جوالاتياً،الخ، وحثّهم على التصويت لمرشحيهم..بينما "المقاطعون" ظلوا قابعين.. محبطين.. ومتنطعين! للمشاركة فوائد جمة، آنيَّة ودائمة،..منها: المشاركة ذاتها، والخوض في العمل الاجتماعي والتطوعي والتنظيمي والاعلامي و الدعائي، والاهتمام بالشأن العام و المجتمع المدني.. وهو توجهٌ قلّ ما ينتشر في وطننا. وغياب المشاركة يساهم في تجذير الامّعية والاتكالية واللا مبالاة. فيحسن بنا التخلي عن الابتعاد؛ و يلزم التحلي بالمشاركة الفاعلة. و من يأمل التغيير والاصلاح، عليه خوض المسارات، المباشرة وغير المباشرة، قصيرة المدى وطويلها.. دون التعلق أو التعلث بنقص هنا أو خلل هناك؛ و ذلك حفاظاً على تحقيق المأمول العام الأعم. علينا ألا نبخل و لو بشيء من التضحيات؛ و من يَعشق العَومَ لا يخشى من البللِ! لقد كان من ضمن عناصر سعادتي أثناء إقامتي في البحرين.. أن أمكنني -صدق أو لا تصدق- القيام هناك بالتصويت في الانتخابات المحلية؛ كان ذلك قبل 7سنوات؛ففي اللوائح التنظيمية هناك يحق التصويت لكل إنسان.. في تلك الانتخابات المحلية..طالما كان ذلك الانسان مالكاً لأي عقار. ولكم أن تتصوروا مدى سعادتي.. وأنا واقف في الطابور.. ومعي زوجتي.. ننتظر دورنا للإدلاء بصوت كل منا: شخصان مَكّاويان يقترعان ويدليان بصوتهما في منطقة "الرفاع".. في وسط مملكة البحرين! فكانت تلك التجربة الانتخابية الأولى لي و لزوجتي؛ و هناك كانت المناسبة الانتخابية الوحيدة في حياة كل منا.. والى الآن! ثم، وكأنه إمعانٌ في سعادتي بذلك الحدث التأريخي لنا جراء ذلك التصويت، أن (صادف) أن قمت أنا وزوجتي بالتصويت في تلك الانتخابات.. رسمياً مرتين.. و ذلك جرّاء عملية انتخاب "تصفية" بالتصويت ثانية للاختيار بين المترشحين ذوي الأصوات الأعلى في الجولة الأولى؛ ولذا فقد قمنا بالتوجه مرة أخرى خلال أسبوع لاختيار مرشح واحد. (كان الفائز النهائي في تلك الانتخابات هناك -للأسف- غير الذي كنا نتمناه! و لكن.. لا بأس!) كما صادف بالنسبة لنا.. أن كان قد فاتتنا بكل أسف في السنة التالية، في 2005م، فرصة التصويت هنا في السعودية.. حين كنا لا زلنا خارج الوطن. و الآن.. ومع قرب الفرصة التالية للقيام بالتصويت هنا في السعودية، ورغم كل ما عدَّد المعدّدون أعلاه من مآخذ.. فإني سأسعد بالقيام بالتصويت.. وبالحصول لأول مرة على بطاقة التصويت المصاحبة لعمليات الانتخابات هنا. كما.. لعلها تكون فرصة العمر للانتخاب بالنسبة لي.. فلربما لا ألحقُ الفرصة التالية! علينا ألا نتنادى فقط إلى الشجْب.. ولا أن نترك الساحة للغير خالية صافية دون أي منافس في الحلبة و الميدان وفي الوجود. ومع أن فكرة "المقاطعة".. هي في الأساس فكرة للتعبير..المحمّل بالامتعاض و الألم و الشعور بالحَنق الخ إلا أن التعبير -بواسطة المشاركة- والانتقال من حافة المشاهدة الى مجال الحضور لهوَ التعبير الاوضح والأفعل و الأبقى.. وحتى لا يصبح الآخر.. الحَمدان الوحيد في الميدان! وحتى في حالة لو فاز أشخاصٌ لا نستسيغهم بعدد من مقاعد المجالس، فإن انتخاب أي عدد ممن نريد و نستسيغ --حتى و لو كان عضواً واحداً وحيداً، أو ربما عضوين-- فإن الوجود.. مجرد التواجد في هذا المجلس أو ذاك.. هو خير ألف مرة من البقاء خارج المجلس (خارج الحلبة) كمتفرج أو مجرد متابع عن بُعد. فإن عضواً واحداً مشاركاً في جلسات المجلس..يمكنه بالطبع التمتع بكامل العضوية وبكل فرص الفعل والتفاعل والمساءلة والمتابعة والملاحقة؛ و سيكون رقيباً بالطبع على سيرورة أعمال المجموع.. ولا أقول شوكة في خاصرة من يراهم من الاغلبية المتسلطة. أما إذا بقي خارج الحلبة فإن ذاك سيكون معتكفه و مثواه! و بالنسبة لموضوع المرأة.. وعن حنقنا المشترك إزاء الحد من مشاركتها ومن تمكينها في مخلتف المجالات، فأود أن أقول إن المرأة السعودية (إن هي أرادت و تحركت.. وتحررت) ستلحق و ستلتحق بأخواتها في أنحاء الأمة. وأتصور.. ربما في القريب العاجل و ليس خلال المديد والمؤجل من الآجل.. أننا سنرى لدينا مرشِحات و مترَشحات في الانتخابات، ووزيرة أو أكثر في الداخل، وسفير(ات) في الخارج. و لا بد من "وضْحى" و لو جَشُم السفر!! و إذا أردنا فعلاً أن نلج فضاءات الديموقراطية..فعلينا أن نعمل على زحزحة صخرة "مغارة سمسم".. وذلك بالدخول الى صفوف روضتها عندنا.. بأمل أن نتخرج منها الى "سنة أولى" ديموقراطية. و ألاّ نفقد الأمل! وعليه: ففضلاً صوٌتوا.. و شاركوا و توجهوا لمقار التصويت/ الاقتراع؛ و قفوا في الطوابير..و قوموا بإيلاج "علامة صح"..في خانة اختياركم.. في ذلك المربع الصغير.. الكبير! --------- ملاحق:- 1. موقع المجلس البلدي بجدة على الانترنت: http://www.jcc.gov.sa 2. أمين جدة يفتتح ورشة عمل الانتخابات البلدية لبلديات المحافظات الأربعاء 2من جمادى الأولى 1432ه - 6من أبريل 2011م http://www.jeddah.gov.sa/news/news.php/ id=2364 عميد سابق بجامعة البترول