كان للعمدة في الماضي شأن عظيم فلا تكاد تغيب عنه من أخبار حارته لا شاردة ولا واردة.. فقد كان بمثابة الأب للاسرة بل كان بمثابة الرأس للجسد .. فهو ذلك الرأس الشامخ والعقل المفكر والمرجع الرشيد والركن الحصين والصدر الرحب لأبناء حارته وما تحتاجه انفسهم من أفراحهم واتراحهم.. يستشيرونه في مواضيعهم ويلجأون اليه في حل مشاكلهم ويعتمدون عليه بعد الله في معرفة بواطن الامور وظواهرها.. هو المعين لابن الحارة وهو الناصح لصغيرها وهو الموقر لكبيرها والمرحب بغريبها او زائرها.. ينضم اليه في المشورة والأخذ بالرأي "إمام المسجد" الذي هو أيضا نبراس الحارة ونجمها اللامع في سماء أزقتها الضيقة وجدرانها المتقابلة التي يقع عليها وقع الآذان فيسمع صداه من أقصى الحارة الى أدناها .. كيف لا.. والمسجد هو نواة التعارف بين السكان فهو بيت الله الذي تقام فيه الصلاة وهو ايضا الجامعة التي تلقى فيها دروس الحياة من خلال مناقشة هموم الناس ومشاكلهم وايجاد الحلول العاجلة لها وهو ايضا بمثابة جمعية خيرية محلية لمساكين الحارة وفقرائها ممن يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ولا يسألون الناس إلحافا. كان دور العمدة ان يكون ذاكرة الكمبيوتر التي تسجل اسماء السكان فردا فرداً فيعرف الصغير والكبير.. كان العمدة هو العميد لأسرة كبيرة تمتد من اطراف حارته الى بداية حارة أخرى فيها عمدة آخر يتعارفون ويتواصلون ويستشير بعضهم بعضا .. لذلك لم يكن هناك مكان للجريمة ولا حضن يخفي لصا ولا ملجأ يؤوي شخصا يمثل خطرا على المجتمع لأن كل الناس متكاتفون وقلوبهم على قلوب بعض والجميع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. ولا دخيل ولا غريب إلى ويعرف من اين جاء وإلى أين وجهته وما هو مقصده .. ما اروعها من حارة في ذلك الزمان الجميل وما اروع ان نجد نماذج مشابة في زمن التكنلوجيا!! إن هذا العصر هو الاجدر بأن نقترب من بعضنا ونجعل العولمة اداة لنشر الوعي والتعارف بين ابناء الحي الواحد ووسيلة من وسائل الحد من انتشار الجرائم ووأد الاوكار المشبوهة والاحواش المهجورة، وأن نجعل التقنية عيونا نرى بها طريقنا نحو الرقي. لقد حان الوقت لأن يفعل دور العمدة ودور امام مسجد الحي وقد زادت اعدادهم لينضموا الى مركز الاحياء التي سمعنا بها ولم نرَ جهودا ملموسة منها خاصة في جنوبجدة التي هي احوج الاماكن للوعي والمراقبة الامنية والعناية الصحية والاهتمام بسكانها قولا وفعلا.. ولا سيما وان العمد في جنوبجدة قد اثبتوا كفاءتهم في درء اسباب الفساد والسمو ببعض الانظمة العقيمة لوحدهم وباجتهادات شخصية منهم. فنتمنى ان تمتد اليهم جسور الامكانيات التي تمكنهم تقنيا وعلميا وعمليا من مزاولة نشاطهم والوصول الى ما كانت عليه الحارة في الماضي من الأمن والأمان والنظافة والصحة والألفة والاطمئنان إن لم يكن افضل مما كان. وقفة: تعظيم سلام واحترام لكل عمدة مخلص لدينه ووطنه ولأسرته الكبيرة والصغيرة. حنان محمد الغامدي - جدة