لأهمية الموضوع أعود هنا بعد حوالي أربع سنوات من كتابتي للمقال السابق بالعنوان نفسه، وذلك لأهمية وضرورة المرحلة. الرئيس هنا مثله مثل أي إنسان آخر يختص بخصائص نفسية وسلوكية تختلف بين شخص وآخر، فمنهم الرئيس الدكتاتوري والسيكوباتي والرئيس الوجل والمركزي والقمعي والمتعاون، وهناك الرئيس الذي يدير منشأته بالحب والتوافق...، هناك خصائص عديدة لهؤلاء الرؤساء. وكما ذكرنا، فالرئيس في النهاية هو إنسان مثله مثل بني البشر في طباعه وعاداته. وإذا عدنا للعنوان هنا وهو (كيف تدير رئيسك؟)، فالقصد هنا ليس الرئيس في العمل فقط بل كل صاحب قرار في مختلف البيئات ومفاصل الحياة، فالأب رئيس ومدير المدرسة رئيس والزوج رئيس والمعلم رئيس تلاميذه، وكل صاحب قرار هو رئيس في دائرته وفضائه. قد يقول قائل لماذا هذا العنوان بالذات؟ لماذا لا تقول كيف تدير مرؤوسك؟! وهذه هي القاعدة السليمة والمتسقة مع سنن الكون، لكن أن تدير رئيسك قد تكون هذه العبارة أو هذا التساؤل مثيراً للسائل وغريباً على المتلقي. ولأجيب على هذا التساؤل أقول إن معظم مشكلات القطاع الخاص والحكومي والبيوت والجمعيات الخيرية وكل فضاء فيه راعي مسئول عن رعيته تكمن في مشكلة كيف يتعامل الرئيس مع المرؤوس، وكثير من المرؤوسين لا يفقه أبجديات التعامل مع رئيسه فيتذمر المرؤوس في كل الأحوال ويكيل الشتائم على الرئيس بأنه ديكتاتوري وعديم الإنسانية وكثير الشكوى والنقد ودائماً متسلحاً بقاعدة العصا بعيداً عن الجزرة، فالمرؤوس يعتقد ظناً وظاهراً أن هذا الرئيس ليس في باله إلا هذا الموظف فهو يقصده ويتصيد الأخطاء عليه ويضخم أخطاءه ويقزّم حسناته. وأنا هنا أقول قد يكون لهذا الأمر وجه من الحقيقة ولكنه ليس على إطلاقه، ففشل المرؤوس في الغالب يعلّق من قبل المرؤوس على رئيسه، دون تحليل المواقف ودراستها وقراءتها بالشكل المنطقي الذي يقوم على معرفة أنفسنا كمرؤوسين قبل إلقاء اللوم على الرئيس في الشاردة والواردة. فهناك كثير من المرؤوسين يكون لديهم شعور سلبي مسبّق اتجاه رئيسهم لأن الرئيس هو من يملك القرار بشكله العام من خصومات وفصل وعقوبة وما إلى ذلك، وبالتالي فإن المرؤوس يصبح متوجساً في كل أحواله من رئيسه وذاماً رئيسه ومعاونيه على الصغيرة والكبيرة دون إعطاء الأمر حقه الطبيعي والحقيقي. فمن طبائع الأمور وسنن الكون أن المرؤوس في الغالب لا ينظر حوله ولا يقيم نفسه ولا يناقش أخطاءه مع نفسه اتجاه رئيسه ولا يحاسب نفسه عند تقصير أو إهمال، بل إن كل ما يحصل عليه هو من تجنّي الرئيس وحده ولا أحد غيره. وفي هذا الصدد تؤكد النظريات العلمية والنفسية أن المرؤوس الناجح الذي يستطيع أن يتعامل مع رئيسه وفق الأطر العلمية والسلوكية والمهنية الصحيحة ليصبح موظفاً ناجحاً سرعان ما يتبوأ المراكز المتقدمة والمستويات العالية في سلم الوظائف. ومن نافلة القول هنا أن المرؤوس الذي يستطيع أن يتعامل مع رئيسه ويقرأ أفكار رئيسه ويعرف متى يخاطب رئيسه ومتى يلقي عليه موضوعاً ما ومتى يحجب عليه موضوعاً آخر، وكذلك يقرأ كل ما في قلب وعقل رئيسه ويستطيع أن يتعامل مع تلك العقلية بمهنة عالية، فمما لا شك فيه أن النجاح سيصبح حليفه وفي وقت قصير. كما أن من أهم القواعد السحرية في هذا المجال أن على المرؤوس إن يتفهم النقاط التالية عن رئيسه ومنها: ما هي أهداف رئيسك الشخصية والمؤسسية، ما هي لحظات تألقه وفتور حماسه، دوّن تلك المعلومات لن تستطيع فهم رئيسك وسيبدو لك مثل الكتاب المغلق ويصبح الوقوع في مشكلات سوء الفهم والصراعات الجانبية أمراً حتمياً. عندما يتبلور فهمك لذاتك ولرئيسك تستطيع أن تجد أسلوب العمل الذي يناسبكما سوياً وذلك من خلال توقعات واضحة ومتبادلة فيساعدكما ذلك على زيادة الإنتاجية. تفهم طريقة العمل المفضلة لديه، تفهم أسلوبه الشخصي، التوفيق بين حاجتكما وأسلوبكما. وأعود هنا لأقول إن هناك الكثير من المرؤوسين وحتى الزوجات، الأبناء لا يعرفون أبجديات التعامل مع رئيسهم، والدهم، أزواجهم، فتُرمى الموضوعات الحساسة وغير الحساسة في أي وقت كان وبأي ظروف كانت دون معيارية الحسابات النفسية السلوكية لذلك الرئيس أو ذلك الزوج أو الأب. الناجحون فقط هم الذين يستطيعون أن يديروا رؤساءهم من خلال ثقافتهم وقدرتهم على التعامل مع أحلك الظروف وأسوأ الأحوال. فقد كان لي تجربة في إحدى الشركات الكبرى وكان لي سكرتير سعودي نجح معي بكل اقتدار من خلال دراسته لشخصيتي وطريقتي وأفكاري وسلوكي، فكان يتعامل مع المواقف بكل حصافة واقتدار وقدرة على إدارة الأمور والاجتماعات والضغوط، كان متألقاً بكل ما تحتضنه هذه الكلمة من معنى. أتعلمون أيها السادة أن القدرة على التعامل مع رئيسك بحيث تصبح شخصاً لا يمكن الاستغناء عنك من قبل رئيسك هي من المعادلات النادرة في مجتمعاتنا العربية، يقول أحدهم لي إن هناك أحد الموظفين يعمل لدى صاحبي هذا وكان يعمل بوظيفة متدنية في مستواها الوظيفي، وكان هذا الموظف لديه تلك المعيارية السحرية وهي كيف ينجح ويدير رؤساءه بشكل لائق ومتألق حتى ترقّي هذا الموظف ليصبح أحد أهم أركان تلك الشركة، وهو الآن أحد أبرز أهم المديرين التنفيذيين في قطاعنا الخاص. الجهل والأفق الضيق ورمي اللائمة على الظروف وعلى الرئيس والمدير كلها نتاج ضعف في مستوى السلوك والشخصية والثقافة لدى ذلك المرؤوس. تقول النظريات الإدارية إن إدارة الرئيس هي علم مستقل وله من الأهمية ما يجعله أكثر إلحاحاً من تعلم كيف تدير مرؤوسيك، فقد تكون إدارة المرؤوس أسهل بكثير من إدارة الرئيس. وفي عالمنا العربي ومن المؤسف له بأنه لا يوجد أي دورات تختص بذلك العلم أو أنها بحكم النادر والقليل جداً والنادر لا قياس عليه. تنجح الزوجة أيما نجاح عندما تستطيع أن تدير زوجها بشكل يستطيع الزوج من خلال ذلك أن يبحر إبحاراً هادئاً بعيداً عن الأمواج ومخاطر البحار، فمن خلال تجارب كثيرة وسابقة لي أستطيع أن أقول إن البيت المستقر والموظف الناجح هو نتاج ثمرة القدرة على إدارة الزوج والرئيس. [email protected]