بإعلان وزير المالية الأسبق محمد الصفدي سحب اسمه كأحد المترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، عاد لبنان مجددًا للدوران بفلك الارتباك والغموض السياسي وسط تجاذبات حزبية حول شكل وطبيعة الحكومة "تكنوسياسية أم تكنوقراط"، بينما الحراك الشعبي يرفع مطالب واضحة " تكنوقراط خالية من الوجوه السياسية القديمة"، وتنعكس الأزمة السياسية سلبيًا على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، مما دفع منظمات دولية آخرها ستاندرد آند بورز للتحذير من مآلات سيئة للاقتصاد في ظل انسداد أفق الحل السياسي وتواصل الاحتجاجات التي دخلت شهرها الثاني، وما ترتب عنها من إغلاق وتعثر العديد من المؤسسات العامة والخاصة، وتظل هناك 3 سيناريوهات أساسية لمسارات الأحداث في المرحلة المقبلة. خيارات ما بعد الصفدي يفتح انسحاب الصفدي الباب أمام 3 سيناريوهات لتشكيل الحكومة الجديدة: أولًا؛ حكومة "تكنوسياسية" مع إيجاد بديل للصفدي، وهذا الطرح يتماشى مع رغبات الأغلبية النيابية " عون وحزب الله وحركة أمل"، بهدف التحكم في مخرجات الحكومة وتوفير الغطاء السياسي لحزب الله وحلفائه وتأمين تدفق الدعم المالي والعسكري للحزب وعدم فتح ملف سلاحه، ومنع الدولة اللبنانية من تبني سياسات حاسمة ضد محور إيران، لكن العقبة أمام هذا الطرح تتمثل في ضرورة الحصول على موافقة سعد الحريري باعتبار المنصب من نصيب السنة والحريري العنوان الأساسي لهذا المكون، كما أنه من يملك الثقل الدولي والإقليمي لتسويق الحكومة الجديدة خارجيًا، وتظل المعضلة الأكبر في قبول الشارع الرافض لإعادة تدوير النخبة السياسية وفق الشعار الأشهر "كلن يعني كلن". ثانيًا؛ حكومة اللون الواحد والتي يمكن أن تتشكل من مكونات الأغلبية النيابية، وستضمن تحكم حزب الله وتيار عون في مفاصل الدولة، لكن هذا السيناريو يتصادم مع مطالب الحراك وتيارات أخرى أبرز عناوينها "الحريري وجنبلاط وجعجع"، مما يقسم لبنان إلى طرفين في مواجهة دامية وصراع صفري، كما أنه يجعل لبنان عرضة للعزلة عربيًا ودوليًا وقطع كل المساعدات الدولية، ويعد هذا السيناريو أقرب للانتحار السياسي. ثالثًا؛ حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري أو شخصية من المختصين، الخيار الأول سيلبي مطلب الحريري الذي سبق واشترط لرئاسة الحكومة أن تخلو من السياسيين، ورغم معارضة الثلاثي " حزب الله وحركة أمل وتيار عون" له، إلا أنه سيكون أخف وطأة من الخيار الثاني بالنظر إلى إمكانية التفاهم مع الحريري، والوصول لقواسم مشتركة تحافظ على التوازنات السياسية الداخلية والخارجية، لكن هذا الخيار سيواجه برفض قطاع لا يستهان به من المتظاهرين، أما الخيار الثاني بتشكيل حكومة برئيس ووزراء تكنوقراط فسيحظى بالتأييد الكامل من الحراك باعتباره مطلب رئيسي للمتظاهرين، لكن قبوله من "الثلاثي" يظل مرهونًا بتواصل وقوة وفعالية الحراك من جهة، وبمستقبل الأحداث في إيران وحجم الضغوط الإقليمية والدولية على حزب الله تحديدًا. تحذيرات اقتصادية يومًا بعد يوم، تتوالى التحذيرات من خطورة ضبابية المشهد السياسي على انهيار الاقتصاد اللبناني، آخر التحذيرات أطلقته منظمة ستاندرد آند بورز Standard AND Poor's بتخفيض تصنيف لبنان إلى CCCC بفعل تنامي المخاطر المالية والنقدية، بعد أن كان في السابق ضمن تصنيف من (BB-). وأكدت المنظمة أن النظرة المستقبلية لاقتصاد لبنان تعكس مخاطر خاصة بالجدارة، إضافة إلى الضغوط المالية والنقدية المتراكمة على البلاد، منوهة إلى أن الحكومة اللبنانية ستحتاج إلى دعم خارجي من المانحين أو حزمة إصلاح داخلي كبيرة لمواصلة سداد ديونها الحكومية العامة. يذكر أنه مؤحرًا، خفضت ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني لثلاثة بنوك لبنانية هي "عودة وبلوم وميد"، فيما يتعلق بجدارتها بالاستثمار مشيرة إلى تزايد ضغوط السيولة. ويبقي التقدم في الملف الاقتصادي مرهون بإلانجاز في المسار السياسي، عبر حكومة تعالج الاحتقان السياسي، وتواجه اختلالات الاقتصاد وتفشي الفساد، بحسب أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة.