أكد الدكتور علي عدنان عشقي استاذ علم البيئة كلية علوم البحار ان براكين الحجاز والتي تضم جزيرة العرب وبلاد الشام والجزء الغربي من ايران بأنها براكين ساكنة "نائمة" إلا أنه من الممكن ان تعاود نشاطها في أي وقت.وأرجع البراكين والهزات التي تحدث في منطقة الخليج الان الى تباع مايعرف بالصفيحة العربية عن الافريقية الى جانب ضغوطات الغازات الشديدة داخل الأرض وكذلك تصادم بين كتل قارية بالصهير ببعضها البعض الى جانب ضعف القشرة الارضية وتصاعد ما يعرف بالصهير اسفل القشرة الارضية مما تسبب في انفتاح هذه القشرة مما نتج عنه شقوق عميقة في باطن الأرض. وفيما يلي تورد "البلاد" نص حديث الدكتور عدنان عشقي:- تنتشر براكين الحجاز على طول الصفيحة العربية التي تضم جزيرة العرب وبلاد الشام والجزء الغربي من ايران حوالي 180 الف كيلومتر مربع من الحرات تعرف في معجم اللغة الانجليزية باسم اللاف Lava وهي مأخوذة من كلمة الابا العربية وينتشر على طول هذه الحرات التي تمتد جنوبا من اليمن مرورا بالحجاز والاردن حتى سوريا الآلف البراكين السواد الأعظم منها براكين ساكنة "نائمة" Dormant Volcanoes سكونها مؤقت وغير دائم اي انه من الممكن ان تعاود نشاطها في اي وقت كما يحدث الآن في حرة الشاقة Lunayyir وقبل التطرق الى ما يدور في حرة الشاقة والخوض في براكين الحجاز ارى من الضروري أن أوضح صورة مبسطة الميكانيكية المسؤولة عن تكوين البراكين والزلازل على جميع سطح الكرة الأرضية حتى يتمكن القارئ فهم ما يدور في براكين الحجاز عامة وما يدور الان في حرة الشاقة بصفة خاصة. في الحقيقة ان تكوين وتركيب الارض هو المسؤول الأول والاخير عن تكون وانتشار الزلازل والبراكين على سطح الكرة الارضية (الشكل أ) فالأرض من جوفها وحتى سطحها الخارجي تتكون من ثلاثة اغلفة رئيسية ، الغلاف الاول يمثل جوف الارض الكرة الارضية ويعرف باسم لب الارض Core الذي ينقسم الى كغلافين اللب الداخلي Inner Coreواللب الخارجي Outer Core اللب الداخلي يصل سمكه الى حوال 1216 كليومتر ويتكون من الحديد والنيكل الذي تكون كثافته "ثقله" اكبر كثافة من جميع اغلفة الأرض التي سنأتي على ذكرها، اللب الخارجي ويصل سمكه الى حوالي 2270 كليومتر وهو اقل كثافة من اللب الداخلي، الوشاح Mantleوهو الغلاف الذي يلي اللب الخارجي وهو اقل كثافة من كل من اللب الداخلي واللب الخارجي وينقسم الى غلافين الغلاف الأول يسمى الغلاف الاوسط Mesosphere ويحط بأغلفة اللب ويكون اقل كثافة منها ويصل سمكه الى حوالي 2200كيلومتر اما الغلاف الثاني فيطلق عليه اسم الغلاف اللدن Asthenosphere وهو صهير من الصخور اللدنة يشبه في قوامه القطران الكثيف الساخن وجميع هذه الاغلفة ذات درجات حرارة عالية تصل الى حوالي خمسة آلاف درجة مئوية، الغلاف الاخير هو الغلاف الصخري الذي يوجد فوق الغلاف اللدن ويتكون من الصخور وينقسم الى قسمين هما القشرة القارية Continental Crust الذي يتراوح سمكها ما بين 30 الى 70 كيلومتر والقشرة المحيطة Oceanic Crustالتي تمثل قيعان جميع البحار والمحيطات ولا يزيد سمكها عن خمسة كيلومترات الاختلاف في السمك بين هذه القشرتين هو السبب في تكوين معظم البراكين والزلازل وسأوضح ذلك لاحقا. ولتكتمل الصورة لمعرفة ميكانيكية حدوث الزلازل ارى واجبا علي ايضا ان اتطرق الى ما يعرف بنظرة تيكتونية الألواح heord of Plate Tectonics التي نادى بها العالم الألماني الفرد واجنر في عام 1915 والتي توضح في ابسط معانيها ان سطح الأرض في العصور الغابرة حوالي 200مليون عام خلت كان عبارة عن قارة واحدة يطلق عليها اسم ارض الجندوانا Gondwanaland وأن هذه القارة قد انقسمت الى القارات المحيطات المعروفة اليوم وأن هذه القارات والمحيطات تقع على حوالي ست صفائح أو الواح رئيسية وبعض الألواح الصغيرة ترتكز او تقع جميعها على الغلاف اللدن كلوح من الخشب عائم على سطح الماء "ارجع الى الشكل أ" وهذه الألواح هي لوح المحيط الهادي وهو اكبر لوح ثم لوح امريكا الجنوبية فاللوح الهندي الاسترالي ثم اللوح الأفريقي واللوح الأوروآسيوي واللوح العربي أنظر الشكل "ب". وحيث أن جميع هذه الألواح ترتكز على الوشاح اللدن لذا فهي غير ثابتة وتتحرك في اتجاهات مختلفة، فعلى سبيل المثال لو قيست المسافة بين الخرطوموالقاهرة في فترات زمنية مختلفة فستظل هذه المسافة ثابتة لا تتغير ابداً لموقع المدينتين على نفس الصفيحة "اللوح" وهي الصفيحة الافريقية أما المسافة بين الرياضوالقاهرة تتغير في كل عام حيث تبتعد القاهرة عن الرياض بما مقداره حوالى 3 سم في العام والواحد وذلك لتباعد اللوح العربي عن اللوح الافريقي وما يحدث من زلازل في إيران يعود في الحقيقة الى تصادم اللوح العربي مع اللوح "الصفيحة" الأوروآسيوي، وتكوين سلسلة جبال زاجروس في غيران يعود في الحقيقى إلى تناطح هذان اللوحان ، أيضا ما يحدث من زلازال في منطقة الشام وجنوب تركيا يعود في الواقع إلى انزلاق اللوح العربي على اللوح الأفريقي Transfer Fault Boundaries بالقرب من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ونظرا لموجات الزلازل الخفيفة التي اصابت منطقة الشام في العقد الماضي فيعتقد أن هذه الموجات الزلزالية الصغيرة في قوتها ماهي إلا مقدمة إلى هزة عنيفة ستضرب منقطة الشام في فترة تقل كثيرا عن عامين وتتجاوز قوتها 6 درجات على مقايس رختر وذلك نتيجة لانزلاق اللوحين " اللوح العربي واللوح الافريقي" عن بعضهما البعض بصورة كبيرة. ومما يجدر ذكره أن من اكثر مناطق العالم تعرضا للزلازل والبراكين هي المنطقة المعروفة بحلقة النار الواقعة على حواف المحيط الهادي وتشكل كل من اندونيسيا اليابان امريكا الشمالية، امريكا الجنوبية، والسبب في حدوث مثل هذه البراكين الزلازل هو التناطح Convergent Boudaries الكبير بين القشرة المحيطية للوح المحيط الهادي والقشرة القارية للوح الأوروآسيوي التي تكون فيها الغلبة للوح الاوروآسيوي نظرا لسماكته ، حيث تتزلق القشرة Subduct المحيطية أسفل القشرة القارية، التي تتفاعل مع الصهير في منطقة الوشاح وينتج عن هذا التفاعل ضغوط شديدة في منطقة الوشاح نتيجة لتكون كمية كبيرة وهائلة من الغازات التي تبحث لها عن مخرج خلال القشرة الارضية وبذلك تتكون البراكين التي عادة ما تكون عنيفة ومنها على سبيل المثال البركان كراكاتوا الذي هز الأرخبيل الاندونيسي وسمع صوت انفجاره في القارة الاسترالية على مسافة تزيد على 400 كيلومتر وذلك في عام 1818م، هذه هي الميكانيكية التي تحدث بها البراكين، المنطقة التي تندس او تنزلق فيها القشرة المحيطية أسفل المحيطة القارية تعرف بمنطقة الاندساس Subdution Zone (الشكل ج) عادة ما تمثل مناطق الاندساس هذه الخنادق العميقة في البحار والمحيطات كخندق مرينا Mariana Trench بالقرب من الارخبيل الفلبيني الذي يبلغ عمقه حوالى 12 كيلومترا، أو كخندق البحر الأحمر الذي يصل عمقه الى حوالى 3 كيلومترات والذي لا يبعد سوى بضع كيلومترات الى الغرب من مدينة جدة. من هذه المقدمة ارجو ان تكون عونا للقارئ في فهم ما سأسرده الآن. الكثير يعتقد ان جميع البراكين المنتشرة على منطقة الحجاز والتي تزيد مساحتها على 100 ألف كيلومتر مربع وينتشر فيها أكثر من الف فوهة بركان على جميع أنواعها، ان منشأ هذه البراكين هو التمدد الذي يحدث في البحر الأحمر نتيجة لتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الافريقية Divergent Boundaries، وهذا كما اعتقده خطأ كبير، فالبراكين التي حدثت نتيجة للخسف Rift الذي حدث في الصفيحة النوبية وأدت الى فصل الصفيحة الافريقية عن الصفيحة العربية وتكوين البحر الأحمر براكين تكونت منذ حوالى 50 مليون سنة أي عند بداية عصر الأيوسن Eocene من حقبة الحياة الحديثة، قد خمدت وانقرضت، واخفت معالمها تماما عوامل التعرية، أما جميع الحرات الحديثة وما بها من براكين فقد تكونت نتيجة خسف حديث حدث على طول محور يمتد في اتجاه جنوب شمال من اليمن مارا بالحجاز والأردن وينتهي في سوريا، حدث ذلك في نهاية عصر البليوسين Pliocene أ منذ 8 ملايين سنة وحتى هذا العصر الذي نعيش فيه وقد يعترض الكثير على هذه النظرية ولكنها الاقرب الى الواقع يدعمها في ذلك الكثير من الادلة وقد أوضحها الكثير من الباحثين في حرات الحجاز وعلى رأسهم الاستاذ الدكتور ربول Dr. Roobol الذي امتدت ابحاثه في حرات الحجاز الى اكثر من 20 عاما ومن أهم النقاط التي تدعم هذه النظرية ما يلي: الأمر الأول: ان اتجاه هذه البراكين يمتد على طول خسف (أخدود) يمتد من الحدود اليمنية في الجنوب مرورا بالقطاع الغربي في المملكة العربية السعودية مرورا بالمملكة الأردنية وحتى سوريا شمالا في اتجاه محوري واضح هو اتجاه من الجنوب الى الشمال، في حين ان الاتجاه المحوري للبحر الاحمر هو شمال غرب، فلو فرض ان هذه الحرات (النوع الثاني) متعلقة بما يحدث من تمدد وتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الافريقية لكان محور هذه الحرات مشابها لمحور امتداد محور البحر الأحمر اي يكون اتجاهها شمال غرب، ولكن هذا لا ينفي تأثير تمدد البحر الأحمر غير المباشر على هذه الانشطة البركانية وهذا ما سأوضحه لاحقا. الأمر الثاني: الذي يؤيد هذه النظرية هو عدم وجود حرات مشابهة على الجانب المقابل لحرات الحجاز في كل من مصر والسودان، وتواجدها فقط على طول الصدع الافريقي العظيم في كل من اثيوبيا وكينيا وتنزانيا، التي في رأيي الخاص ترتبط ارتباطا وثيقا بالحرات والبراكين المنتشرة على طول غرب الجزيرة العربية. الأمر الثالث: هو امتداد هذه الحرات شمالا حتى سوريا يوضح بالدليل القاطع ان نشأة هذه الحرات ليس لها أي علاقة مباشرة بتمدد البحر الأحمر, وسأوضح لاحقا العلاقة الوثيقة غير المباشرة بين تمدد البحر الأحمر والأنشطة البركانية في الحجاز خاصة الأنشطة البركانية التي تحدث الآن في مدينة العيص. السؤال الذي يطرح نفسه الآن ويدور في خلد الكثير خاصة بعد أحداث حرة الشاقة وما يدور فيها الآن؟ هو إذا لم يكن لتوسع البحر الأحمر وتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الافريقية سببا في تكون هذه الحرات وما صاحبها ويصاحبها من براكين وزلازل؟ فما هي الظواهر الطبيعية الجيولوجية التي أدت لتكوينها؟ في الحقيقة الأمر في غاية التعقيد ولكن من تعمق في دراسة الصدع الافريقي العظيم بفرعيه الشرقي والغربي الواقع في الجنوب الشرقي للقارة الافريقية والممتد جنوبا من اثيوبيا مرورا بكينيا ويوغندا وحتى تنزانيا والممتد شرقا حتى الكنغو، واتصاله بالخسف المكون للبحر الاحمر وخليج عدن في المنطقة المعروفة بمثلث عفار وامتداده شمالا حتى البحر الميت، قد يتوصل الى فهم تكون الصدع او الخسف العربي، (الشكل د) .. في رأيي ان تكون الصدعين العربي والافريقي قد يكونان مرتبطين في تكوينهما أو على الاقل متشابهان تماما في ميكانيكية تكوينهما فكلا الصدعين او الخسفين قد تكونان نتيجة لتصاعد الصهير Magama من منطقة الوشاح اسفل القشرة الارضية على طول امتداد هذا الخسف، مما تسبب في انتفاخ Bulge او نتوء على سطح القشرة الارضية أدى تمدد وتكسير هذا الانتفاخ الى انفجارات قوية تسببت في تكون البراكين، او ان تكون القشرة الارضية (القارية) ضعيفة وهشة فلا يصحب ذلك تكوين انتفاخات مرتفعة بل شقوق عميقة في سطح القشرة الارضية يتصاعد منها الصهير (المجما) لينتشر على هيئة طفوح بازلتية على مساحات كبيرة تكونت منها معظم حرات الحجاز. وقد يسأل البعض لماذا تكونت هذه الصدوع والخسوف في منطقة الحجاز وافريقيا ولم تتكون في مناطق أخرى؟ والجواب على ذلك كما يراه علماء الجيولوجيا، ان مناطق الضعف في القشرة الارضية أي المناطق التي تحدث فيها عادة الخسوف Rifts كما هو الحال في منطقة الحجاز الآن كانت تمثل مناطق تصادم بين كتل قارية كبيرة Continental Masses (أي جواف القارات) في العصور الغابرة منذ بلايين السنين اي قبل تكون جزيرة العرب او البحر الاحمر لذا هي تمثل مناطق هشة وضعيفة في القشرة الارضية تستطيع المجما او الصهير الموجود داخل الارض من النفاذ من خلالها الى سطح الأرض تحت قوة ضغوط الغازات الشديدة داخل الارض. وقد يسأل البعض عن عدم وضوح هذه الخسوف في الحجاز كوضوحها في منطقة الصدع الافريقي؟ في الحقيقة الخسوف موجودة على طول الحجاز واثرها واضح في تكوين الحرات الشاسعة، ولكن الظروف البيئية وعوامل التعرية قد طمست معالمها، فمنطقة الحجاز منطقة صحراوية ومحاط بالعديد من الصحاري الشاسعة مثل الربع الخالي، فالعواصف الرملية خلال السبعة ملايين عام الماضية قادرة على طمس معالم هذه الخسوف، اما الخسوف في الصدع الافريقي فقد امتلأت بالمياه كما هو الحال في بحيرة فيكتوريا التي تعتبر من أكبر بحيرات العالم. الموضوع في غاية التعقيد ولكنه مشوق كونه جزءاً هاماً من التاريخ الجيولوجي للمملكة العربية السعودية، ولا يمكن ذكر تفاصيله وحيثياته في مقال صحفي. أما علاقة توسع البحر الأحمر بالصدع أو الخسف العربي فهي علاقة مبهمة وغير واضحة، تماما مثل علاقة الصدع الافريقي بتمدد كل من البحر الاحمر وخليج عدن، فالخسف والتمدد للصدع العربي له اتجاهان اتجاه ناحية الشرق صوب الدرع العربي والتمدد الآخر ناحية الغرب اي ناحية البحر الاحمر هذا التمدد الغربي قد يتعارض مع تمدد البحر الاحمر ناحية جزيرة العرب الامر الذي قد يتسبب في تصادم او تناطح بين الصفيحة البحرية لضعفها وهشاشتها النسبية اسفل الصفيحة القارية مما قد يتسبب في إثارة العديد من البراكين وهذا مجرد رأي أرجو من الله أن أكون قد وفقت فيه .