رصد تقرير حديث صادر عن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التي تمثلها منظمة "مجاهدي خلق" وتتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها معدل الاحتجاجات الشعبية داخل إيران طوال ديسمبر الماضي، حيث قاربت نحو 529 حركة احتجاجية بنطاق 103 مدن على مستوى البلاد. وأشار التقرير إلى أن مختلف شرائح الشعب الإيراني شاركت في تلك الاحتجاجات بمعدل يومي 17 حركة احتجاجية طوال الشهر الفائت. ووفقا للتقرير تمثلت أبرز أشكال الاحتجاج في إضراب عمال الفولاذ والسكر بإقليم الأحواز جنوبيإيران، وكذلك تظاهرات سائقي الشاحنات للمرة الخامسة طوال أشهر مضت، وأيضا مسيرات الطلاب. وجاءت نسب مشاركة الشرائح الاجتماعية المختلفة في تلك التظاهرات التي عمت إيران طوال ديسمبر الماضي، على النحو التالي حيث سجل "العمال" الفئة الأكثر اعتراضا بنحو 144 حركة احتجاجية، يليهم "سائقو الشاحنات" ب140 حركة احتجاجية. وشملت قائمة المحتجين مودعين فقدوا أموالهم لدى مؤسسات مالية خاصة بنحو 19 حركة احتجاجية، ثم "التربويون" بمعدل 7 تظاهرات، وأيضا "المتقاعدون" بنحو 4 احتجاجات كبرى، و"الطلاب" بنسبة 63 حركة احتجاجية في المدارس والجامعات. وشن "المزارعون" احتجاجات متكررة بسبب شح كميات المياه العذبة اللازمة لري المزروعات، حيث سجلت نحو 22 حركة احتجاجية، في الوقت الذي اعترضت باقي الشرائح الاجتماعية الأخرى بمعدل 94 حركة احتجاجية. واحتج "السجناء" داخل معتقلات إيرانية سيئة الصيت بنحو 11 حركة احتجاجية؛ فيما أضرب آخرون عن الطعام بنحو 10 حالات اعتراضا على ظروف احتجازهم المزرية. وأغلب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت داخل إيران في ديسمبر اتسمت بوجود "دعوات مسبقة"، فضلا عن التنسيق بين نشطاء عماليين للحشد، في الوقت الذي تضامنت فئات اجتماعية مع مطالب نظيرتها مثل الطلاب والعمال على سبيل المثال. ولعبت النساء دورا بارزا في الحشد الميداني خلال تلك التظاهرات، التي لاقت تفاعلا من سكان محليين عدة مرات، خاصة أن أغلب مطالبها تمحورت حول تأخر الأجور، والتمييز الوظيفي، فضلا عن حملات الاعتقال العشوائية ضد المتظاهرين. وردد المحتجون في احتجاجات ديسمبر المنصرم، هتافات طالت المرشد الإيراني علي خامنئي الذي نعتته ب"الديكتاتور"، في الوقت الذي طوَّق المحتجون مباني حكومية، أبرزها مقر البنك الوطني الإيراني بإقليم الأحواز، فضلا عن احتشادهم أمام مقر ممثل "خامنئي" بمحافظة خوزستان جنوب غربي البلاد. وجاءت أبرز الشعارات التي رفٌعت من قبل المحتجين على النحو التالي: "عدونا هنا وليست أمريكا"، و"أم الفساد في إيران"، وأيضا "تسلقوا الإسلام وأذلوا الشعب"؛ فيما شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات تعسفية طالت أكثر من 40 عاملا بحلول 18 ديسمبر الماضي، لا يزال أغلبهم قيد الاحتجاز، في حين أفٌرج عن بعضهم بضمانات مالية باهظة. في غضون ذلك توقعت مجلة "الإيكونومست" البريطانية أن تسجل إيران ثالث أسوأ أداء اقتصادي في العالم خلال 2019. وبحسب تقرير أعدته "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" التابعة للإيكونومست، فإن إيران ستتكبد ثالث أكبر نسبة انكماش اقتصادي في العالم، حيث سيتقلص اقتصادها في عام 2019 بنسبة -3.7%. وتسيطر موجة من الكساد على قطاعات صناعية عدة في إيران بالتوازي مع تهاوي القدرة الشرائية للمستهلكين المحليين، فضلا عن تدني قيمة الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية، لدرجة أن البنك المركزي الإيراني يدرس حذف 4 أصفار من العملة المحلية، وفي هذه الأثناء تمر أسواق طهران على مدار الأشهر الماضية بمرحلة من التقلبات الحادة، لا سيما بعد إعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني المبرم قبل 3 سنوات، في مايو الماضي، وإعادة فرض حزمتي عقوبات اقتصادية ضد النظام الإيراني طالت قطاعات مصرفية ونفطية وغيرها. وفي السنوات الأخيرة، ألقى خصوم المرشد الإيراني علي خامنئي باللوم على سياساته المناهضة للغرب والمتدخلة في شؤون الدول المجاورة باعتبارها الأسباب الرئيسة لعزلة البلاد ومشاكلها الاقتصادية. لكن أن يوجه أحد النواب نقدا علنيا في البرلمان للسياسة الخارجية للمرشد هو أمر غير مسبوق، على الرغم من عدم ذكر اسم المرشد، ونقد سياسته بطريقة حذرة ودبلوماسية. فقد نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) عن برلماني إيراني قوله إن السياسة الخارجية للبلاد دفعت إيران إلى "تحمل تكاليف مادية غير ضرورية"، يمكنها أن "تشل شوارع طهران". وفي خطاب وصفه "راديو فردا" الإيراني، ومقره في الولاياتالمتحدة، بغير المسبوق، قال جليل رحيمي جهانآبادي، قبل بدء جدول الأعمال الرسمي للبرلمان: "لا بد من التخلص من التكاليف المادية غير الضرورية التي ليست ذات أولوية". واتخذ النائب البرلماني من الاتحاد السوفييتي مثالا على حديثه، قائلا إنه تفكك في نهاية المطاف رغم رؤوسه النووية وتأثيره حول العالم. ويقول موقع "راديو فردا" إن حديث رحيمي جهانآبادي، وهو سياسي إصلاحي وزعيم البرلمانيين السنة، "مثير للاهتمام للغاية". وبحسب وكالة الطلبة الإيرانية، أضاف رحيمي جهانآبادي "على الرغم من أهمية تأثيرنا في المنطقة، لا يجب نسيان نقطة واحدة، وهي أنه في بعض الأحيان قد تؤدي التكاليف المادية غير الضرورية إلى شل شوارع طهران". وتابع النائب "عندما انهار الاتحاد السوفييتي، كان لديه 13 ألف رأس نووي، وكان له نفوذ في أكثر من 20 دولة، ومحطة فضائية، لكنه تمزق في شوارع موسكو، وفقد أمنه وسلامه الإقليمي". كما تحدث رحيمي جهانآبادي، في خطابه، عن الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الإيرانيون، قائلا: "اليوم، يجد الناس صعوبة في كسب العيش وإطعام أطفالهم. إذا فشلنا في حل مشكلة النفقات الداخلية والخارجية غير الضرورية، سوف نتحمل تكاليف باهظة". ومضى يقول: " يجب أن نهتم بما نحتاجه في الداخل… نحتاج إلى أصدقاء، والحد من التوترات وزيادة التعاون في المنطقة وأن يكون الاقتصاد على رأس أولوياتنا .