عندما نتذكر حكايات الجدات حول قصص الحارة القديمة، ندرك ذلك الشجن الصادر منهم.. للعلاقة القوية التي كانت ممتدة بين الجيران من خلال تلك الشبابيك، لم تكن علاقة شفهية فقط.. إنما تعدتها إلى تبادل الأغراض، ثم تجاوزت الأمور المادية إلى الوجدانية، فقد كانت الجارة تعلم عن الوضع النفسي لجارتها في الصباح، لأنها قد حضرت جزءا من المناوشات التي حدثت في الليل أو قبيل الفجر، والتي تحولت في بعض الحالات إلى عنف جسدي، فتحاول التخفيف عنها بعبارات قد يحضرها جميع المارة وباقي النوافذ، ولتلافي هذا الحضور خاصة لو كان الامر يحتاج إلى خصوصية، تقوم بزيارتها، فهي تشعر بشعورها من جهة، ومن باب رد الجميل عندما كانت في وضعها لمرات مضت. كانت تلك النوافذ عبارة عن مواضع لأسلاك المصابيح الخاصة بالأفراح والأتراح، فلا يمكن أن ترد الجار الذي طلب منك ربط التيار الكهربائي من منزلك مهما وصل بك البخل، القليل من النقود لا يضر أمام همسات أبناء الحارة في اليوم التالي، ووصمة العار التي سترافق سلالتك على مر الزمان. من جانب آخر فقد تجملّت تلك النوافذ بأحداث العاشقين، بين تلك الجميلة التي أطلت تشاهد الطريق ومن الجهة الاخرى الطالب المجد الذي لم يجد مكاناً أنسب من النافذة ليذاكر أمامه، لا ألومه ” الشباك بيجيب هوى بحري “، تعلّق قلبه وعلِق الكتاب على تلك الصفحة منذ ذلك اليوم، وكبرت الآمال وعانقت الأفق، ثم وقعت مغشياً عليها عند أول خطيب وصل وهو “مالي هدومه وجيبه”. على الرغم من ضيق المنازل وصغر النوافذ إلا أنها كانت تدخل هواءً صحيا نقيا للقلب والنفس والوجدان حتى في عز الصيف، وعلى الرغم من سعة منازلنا الآن وكبر النوافذ إلا أننا نخاف من فتحها، حتى لا تجلب الأتربة، ولا يهم إن مرض جاري ولم أشعر به، فأنا قد رأيته قريباً، في آخر عيد ولم يتبقى الكثير على العيد القادم لأزوره وأقول له: “كل عيد وإنت طيب”.. إنت طيب..؟ eman yahya bajunaid