هذه قصة لم أقصصها على أحدٍ من قبل فإسمعوها ... لكلٍ منا قصة، وقصتى اليوم بطلها أبى، الرجل الطيب صاحب النظرة الدافئة التى لا تُنسى والحنان الذى لا يضاهيه مثيل، فى ليلة مشؤومة لا تقل رعباً عن إخوتها أعلنت مواكب الرحيل أنها جاءت لتأخذ أبى لرحلته الأخيرة، أسترجع تلك الليلة التى تعرفت فيها على المعنى الحقيقى للألم الذى لذع قلبى وزلزل أركانه، كانت ليلة مستحيل أن أفكر فى قدومها بتلك السرعة، ليلة رحل فيها بطلى، ثم جاء الصباح التالى ليعلن لى عن حياة بشكل مختلف، حياة لم أستطع أن أنطق فيها بالحقيقة المرعبة، فرحيل أبى الذى جاء سريعاً مغافلاً، جعلنى أعيش فى الحياة كغنيمة وسط مغارة مملؤه باللصوص يحاول الجميع داخلها سرقة ما تبقى لى.. أخطوا فيها وأنا لا أرغب فى أن أتطلع إلى المجهول فقد تخليتُ عن أحلامى وآمالى دفعة واحدة ولم يعد من الأمر شيئ يذكر ... منذ رحيل بطلى وأنا لم ألقىّ أى رحمة.. لم أجد من يخفف عنى البؤس.. ألقت بىّ الحياة فى سراديب السحرة الذين لا يحملون إلا كل خبيثٍ وعفِن.. فى عصر هوان الإنسانية أصبحت شخصاً غريب الأطوار فقط لأننى أحمل قليلاً من إنسانيتى.. تحولت الحياة فى نظرى بعد كل تلك المشاعر المتداخلة إلى صورة باهتة بعيدة كل البعد عن الذكريات التى تقع داخل أعماقى.. تلك الذكريات التى لا تجرؤ الحياة على أن تحدق فيها.. لأن ما بها من أحداث وحتى أشخاص لن تستطيع الحياة أن تجعلنى ألتقى بأشخاص يسمو إلى إحيائها من جديد.. اتساءل دائماً ما هى الغاية التى بُعثنا من أجلها؟؟ وحتى إن وجدت الإجابة سيبقى السؤال.. هل هناك مُتسع للأمل أن يسكن قلبى أو قلب من يشبهنى من جديد ؟؟ لم يتبقى لى سوى ركام لبعض الوجوه التى تهز حبة قلبى بمجرد تخيلها، وجوه تهون علىّ رحلتى الطويلة، أتقدم داخل مغارات اللصوص حاملةٍ قليل من المثاليات التى لم يعد لها مكانٌ الأن، أننى يا أصدقائى أشد حياءاً وخجلاً عند وقوع البلاء فكيف سأسير بين أبناء زمانى الذين يتحلون بالكثير من الجرأة والوقاحة، كل شيئ قد تبدل حولى ما جعلنى أخشى على نفسى كثيراً أن أتبدل معه، أجد نفسى اليوم بين أناس لا يحملون أى قيم ينكرون الحق وينصرون الباطل، فكيف لى بطوق نجاة ينقذنى من مغارة لصوص وقعت بينهم كطائر علقت قدماه بالفخ، إنطويت على نفسى دقيقة لأفكر لكنى لم أجد السبيل للنجاة ولم أشعر بنفسى إلا وأنا تفيضُ عيناى بالدمع بعد أن خرجت من جنتى، لا أدرى كيف سأكمل رحلتى التى أتقدم فيها بملامح تشبه إمرأة تتخطى عقدها الثامن من العمر وكأننى مر علىّ دهرٌ من الحزن والفرح، لكنَ هناك صوتاً ما داخلى لا يزال ينبض شباباً ينطوى على قلبى ليحميه من الشيخوخة التى تحيطه من كل جانب أخبرونى ماذا بعد كل ذلك ؟؟ أتدرون ماذا تصنعون بى اليوم ؟؟ أنتم تنزعون روحى وتحرقونى.. بسببكم أنازع فى كل لحظة الموت.. تصرخون داخلى كالشياطين وتتراقصون أمامى كمردة الجحيم التى تلدغ كل وجوه الإنسانية من الروح.. حتى وإن كان مقدرٌ لى أن أقضى أعوامى وحيدة بينكم.. ستكون وحدتى خيراً لى من أن أعيشها معكم على ركام أحلام الأخرين كما فعلتم.. فأنا منذ ولادتى وحتى مماتى أقسم لكم أننى لم و لن أعتصم بحبالكم التى تفتقر للسبيل.. أتركونى وشأنى أمضى طريقاً طويلاً موحشاً مكبلة فيه بالهموم التى لا يهونها إلا صوت ينادينى من بعيد ليطمئنى بقوله حتماً ستصلين.