أمي يا من اختزلتِ كل معاني الحب والجمال وأصبحتِ فيني لك. يا من تنفست الهواء برئتيك كما كنتِ في أحشائك. ويا من ينبض قلبي بصوت نبضات قلبك حتى شعرت بأن أوجاعه تسكنني وأصبحتِ جزءا مني. أمي يا حياة عشتها بحضورك وغربة بطعم الموت تذوقتها بغيابك. لا يزال لرحيلك طعم الوجع وكأن الحياة توقفت عند صدمة رحيلك ولم تمض أبدا. ولا يزال أنين ذلك الوجع يتضاعف في كل مرة يخفق فيها قلبي ويكاد أن يملأ كل ما فيني ليصبح الأنين صوتي وهمسي. حزينة أنا يا أمي وهذا كل مابت أعرفه عني وعن الحياة التي كتب لي أن أعيشها بدونك. رحلتِ وكنت أعتقد بأنك لن ترحلين وبأن المعاهدة بين قلبي وقلبك ستجعلنا نعيش معا ونموت معا. رحلتِ وتركتيني أتساءل كالمجنونة لماذا رحلتِ أنتِ ولم نرحل معا. ألم يكن هذا عهدنا يا أمي. ألم نتعاهد على أن نعيش معا ونضحك معا ونحزن معا ونموت أيضا معا. إذن لماذا رحلتِ وأنا التي كنت أتمنى ألا تتركيني وترحلين. لماذا رحلتِ وصباحي لا يصحو بدون إشراقة صوتك، وهو يشهد بأنه لا إله إلا الله وبأنه ليس هناك معبود سواه. لماذا رحلتِ وكل الأماني تصاغ لك ومعك. أمي.. مازلت متألمة ومازالت الصدمة وصفي وحالي، وكأني تلقيت خبر وفاتك منذ لحظات قليلة. لا يزال قلبي يواصل نزف الحزن وكأنه ينهل من محيطات ليس لعمقها قاع. ومازالت كل حواسي مخدرة كأن وقودها أنتِ. قالوا لي يا أمي إن الحزن سيتضاءل وإن قلبي سيسلى وإن الحياة ستمضي وستبقين ذكرا. ولكن حزني عليك يكبر ولا يقل وقلبي يذكرك كنبضه ولم يسل، والحياة توقفت عند لحظة موتك ولم تمض أبدا. ها هي حياتي وقد مضت شهور على رحيلك متشحة بسواد كئيب يغرقني في دوامة حزن لم أتمكن من عبورها. كيف لي أن أعبرها وأن أسلى وكل التفاصيل أنتِ. كيف لي أن أجد قوة لأهزم حزن فقدك وقوتي أنتِ. نعم يا نادرة الجمال والقول والحضور أنتِ كنت وأصبحت وستظلين كل التفاصيل. في تلك الزاوية ضحكنا وبكينا معا، وهناك تحدثنا وقلنا كل القصص والأسرار، وهناك تعلمت منك كل ما جعلني أنا. إذن كيف لي أن أكتبك غائبة وأنت تملكين كل هذا الحضور في قلبي وكل هذا الوجود في تفاصيل يومي. كيف لي أن أصدق بأن فراقك حتمي وأن ما يفصلني عنك موت لا أملك إلا أن انتظر قرب حضوره أو بعده. كيف لي ألا أسمع صوتك وأتلذذ برضاك ودلالك وكيف ستمضي أيامي بدونك. كيف لي أن أضحك وأفرح وأحلم وأخطط وكل مصادري أنتِ. كيف لي أن أتوقف عن البكاء والحزن وخسارتي أنتِ. وكيف لي أن أعيش وبرحيلك رحلت معك كل الأشياء الجميلة وكل الأحلام والأماني. كيف لي أن أعيش وطعم الوجع الذي تركه رحيلك يشبه موتا أعيشه كل يوم. لم أكن أعلم يا أمي بأن روحي ستتمزق أشلاء وستظل تنزف وجع صدمة مغادرة روحك جسدك ودنيا لم تعد هي الدنيا بغيابك. قولي لي يا أمي يا من علمتيني من الحياة كل ما أعلم كيف لي أن أعيش بعد فراقك، وكيف سأكمل مشوارا اعتدت أن تكوني رفيقتي فيه. كيف سأتنفس وأنتِ الهواء وأضحك وأنتِ الفرحة وأنجح وأنت الدافع. كيف سأواصل برك وأفرح بدعواتك. وكيف سأتقرب لمن خلقني وأرجو رحمته بعبادة البر التي عشقتها لك وبك. كيف سيتمكن قلبي الحزين من النبض وصدى نبضات قلبك التي أنهكها المرض لا تزال صوته. كيف سيفرح وصدى صوت أنين قلبك يتردد في أوردته. ولماذا حزني عليك يملك كل هذه السطوة والوقار كما هو حضورك؟ لماذا لم تعلميني كيف أتعاطى مع فيضان الألم والوجع والحزن الذي سببه رحيلك. فها أنا بعدك حزينة أقاوم طوفان وجع رحيلك ولا أذرع لدي فأنت كنت أذرعي. أقاوم اليأس الذي سيطر علي ولا أمل لدي فأنتِ كنتِ كل التطلعات. لماذا لم تبق على المعاهدة التي كانت بيننا فبقيتي أنتِ أو أرحلت أنا معك. لماذا يا حبيبتي يا صادقة العطاء والكرم والحنان يا طاهرة القلب وصاحبة الخير يا حسنة الفعل والقول. اللهم اجعل بفيض حزن تملكني برحيلها فيض رحمة ونور ومغفرة ورضا وسعادة لأمي.. في أمان ورحمة وجنة الله يا أمي..