ما اعلنه رئيس جماعة النهضة الاخوانية على لسان رئيسها الاستاذ راشد الغنوشي من ان تكون جماعته مجرد حزب سياسي مدني، وان تفصل بين الدعوي والسياسي في شؤونها، وهو الامر الذي لم يتحقق قط، فحتى المذاهب السياسية الغربية التي تعلن علمانيتها، وبعدها عن كل ما هو ديني في السياسة لم تستطع ان تحقق ذلك، فها هي عدة دول غربية فيها احزاب مسيحية ذات صبغة دينية فالقول بفصل الدين عن الحياة او عن السياسة هي اكذوبة عصرنا الكبرى، فلا احد في هذه الدنيا ينضم لجماعة او حزب ويدعي انه خلع عن نفسه دينه حتى لا يؤثر في احكامه داخل الجماعة او الحزب.. فهذا مجرد هراء! لا اشك في ذلك فالدين في اعماق النفوس يحضر على اللسان وفي التصرف سواء اعلن صاحبه الخروج مما اسماه الغنوشي الاسلام السياسي ام لا، ولكن ان يعلن بشر انه يحكم بالاسلام، بمعنى احكامه كلها منبعها الاسلام، فتلك قضية اخرى، وليس بين البشر من يزعم ان كل ما يحكمه به صواب مصدره إلهي، وانما هو بشر يجتهد بأن يحكم الدين في سلوكه، لكنه لا يأمن الخطأ – بل لعله لا يأمن الانحراف الى الظلم، وعلى مر تاريخ الاسلام لم يدع احد انه حكم بالاسلام صواباً في كل ما صدر عنه ولذا لما ارد سيدنا عمر بن الخطاب ان يكتب الى احد ولاة الدولة بأمر كتب كاتبه هذا ما ارى الله امير المؤمنين عمر بن الخطاب نها عن ذلك وقال: هذا ما رأى عمر، وقد كان علماء الامة ينهون ان يقال عما اجتهدوا فيه: هذا حكم الله، وقد كره كبارهم وافاضلهم ان يحمل الناس على ما اجتهدوا فيه ورحم الله من قال: (لا ينبغي للفقيه ان يحمل الناس على مذهب ولا ان يشدد عليهم)، وما تحكم به المحاكم من الفقه جله ناتج عن اجتهاد لا على نصوص لا يختلف الناس في معاني ألفاظها او فهم معانيها، ولذا اختلف العلماء وتعددت مذاهبهم، والخطير في عصرنا ان توجد فئة لا يرون الحق الا في اتباع ما اجتهدوا فيه، وما قلدوا به من سبقهم من مجتهدين، وينفون عن غيرهم القدرة الا ان يصلوا باجتهادهم الى ما هو افضل واحسن، وقد يكون الى مراد الشارع اقرب، وهنا الطامة اذا تحكمت هذه الفئة فحكمت الناس بفهمها للدين، ولم تترك لهم في هذه الدنيا شيئاً مباحاً، وحكمت عليهم باحكام ظالمة ليس لها في الشرع اصل ظناً منهم ان هذا هو الحق، ولنا مثل واضح جلي في هذه الجماعات التي تعيث في الارض فساداً وتزهق الارواح وتسلب الاموال، وتنتهك الاعراض، وتثير الرعب بين الناس بما تفعله من بشاعات، وهي تعتقد انها تحكم بالاسلام، وبعضهم يسمي جماعته الدولة الاسلامية، وبما ان العقائد الدينية لا يمكن تحييدها كما يظن بعض من لا علم لهم بخصائصها، فقد يظن ان هذه الجماعات المتأسلمة كالنهضة الاخوانية، او اخوان مصر، وما انتشر منهم في الاقطار الاسلامية سيتخلون عن مناهجهم لا يعرف حقائق الامور عن هذه الجماعات التي لا نظن انها انتصرت الا اذا حكمت العالم كله، أليسوا يزعمون انهم سيكونون اساتذة العالم، اغتروا بانفسهم، وليس بينهم عالم بدينه حقيقة، وانما هي قشور يلتقطونها من افواه دعاتهم الذين يقودونهم الى الهلاك دنيا وآخره، ونقل عقول المتبعين لهم المعجبين بما يفعلون، ولن يمكنوا ابداً من حكم المسلمين، فهم دعاة شر لا خير، والمسلمون بخير ما لم يصغوا لامثالهم، والذين يستنبطون الاحكام من مصادرها في الاسلام هو العلماء الصالحون الذين يخشون الله ويخافونه، ولهم قدرة على الاجتهاد الذي يراعون فيه ما رعى الله من مصالح العباد، وما اراد ان يوفر لهم المساواة امام احكامه، والعدل بينهم واذ اختصموا، وحريتهم المسؤولة التي لا يمكنهم العيش بدونها، وليس كل من ادعى علما صالح لهذه المهمة الكبرى في حياة الامة، فالاحكام الاجتهادية تتغير بتغير الازمان عند ذوي الفهم الذكي من العلماء الصالحين، وبهم نستطيع تغيير الصورة التي نمطها الغرب لنا وحشرنا في اطارها فهل نبحث عنهم ونؤكل اليهم المهمة الصعبة هو ما ارجو والله ولي التوفيق. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]