شهدت صالة العالمية الفنية بجدة مساء الاحد الماضي تظاهرة فنية كبيرة في الابداع التشكيلي، من خلال معرض "ربيعيات 2009" الذي شارك فيه "29" فنانا وفنانة تشكيلة، قدموا من خلاله أكثر من مئة لوحة جمعت مختلف مدارس الفن التشكيلي "التجريدية والواقعية، والتركيبية" اضافة إلى المنحوتات .. وقد سجلت "البلاد" بالكلمة والصور جوانب من هذه التظاهرة، التي جاءت مؤشرا حقيقيا على ارتفاع ايقاع هذا النوع من الفنون، حيث حلقت ريشة الفنان السعودي عاليا في سماء هذا الفن، من خلال قدرتها على الابداع والخلق والتصوير الفني البديع، والذي كان ابرز روافده الخبرة التراكمية لعدد من فنانينا ، ممن وصلت تجارب عدد منهم إلى أكثر من اربعين عاماً، في هذا الحقل، وهنا مجمل ما سجلنا من تصور عام ، ومن لقاءات مع عدد من المشاركين في المعرض. يقول الفنان الاستاذ عبدالله ادريس شاركت في المعرض بلوحة اعتمدت فيها على اسلوب الطبع، حيث كنت استحضر قيما رمزية تاريخية من الماضي واضعها كما هي على اللوحة في توزيع خاص له طابع فني، فمن الطوابع إلى صور الفنانين والفنانات القدامى إلى السيارات القديمة "واشار إلى وسط اللوحة هذه سيارة والدي" إلى الوثائق ونحوها، وبدأت اللوحة "الكبيرة نوعا ما" وهي تنقلك إلى عالم بعيد في عمق التاريخ باسلوب بديع، يدلل على مهارة الفنان ادريس في استحضار عدة قيم اجتماعية وفكرية وثقافية واجتماعية، واستطاع أن يوظفها في عمل واحد فني، وضمن اخراج خاص يشيء إلى موهبة فنية ، لها تراكمات كبيرة. وسألت الاستاذ ادريس عن خبراته وبداياته فقال ان ذلك مما يجعلني أغوص إلى سنوات بعيدة، وقد يكون من الصعوبة في هذه اللحظة استعادة كل ذلك في هذه العجالة، لكن المهم في تجربتي انها كانت بناء ذاتي الفني بنفسي خطوة خطوة. وسألت الاستاذ الفنان أحمد فلمبان فقال شاركت في هذا المعرض ب "12" لوحة من المقاس الصغير، وجميع اعمالي في المعضر تتحدث عن موضوع واحد، هو مشكلة الطلاق في مجتمعنا وآثارها الاجتماعية والنفسية والأسرية.. وكما ترى فقد وظفت العمل لمعالجة اشكالية اجتماعية، من منطلق الايمان الكامل بأن للفن التشكيلي دورا مهما في عرض قضايا المجتمع ومحاولة القاء الضوء عليها من اجل الوصول إلى حلول لها، بعد أن صارت مشكلة الطلاق في مجتمعنا تكاد تكون ظاهرة، واجمالا فعندي ايضا حوالي "120" لوحة تتعرض لمشكلات اجتماعية، احاول ان اقدم من خلالها رسالة لمجتمعي عبر الفن التشكيلي، من القناعة بأن علينا جميعا أن نتعاضد لايجاد الحلول لقضايا مجتمعنا. وقال الفنان فلمبان: في لوحاتي هذه قدمت خليطاً من الاساليب الفنية بين المدارس التعبيرية إلى التأثيرية الى الرمزية، وسألته عن تاريخه الفني فقال إن خبراتي تزيد على "40" عاماً ولدي من خلالها اكثر من "400" لوحة، وقد شاركت في عدة معارض، وعملت "13" معرضا شخصيا خارج المملكة، وانا متفرغ للفن، ولعلي الوحيد السعودي الذي كرمتني الحكومة الايطالية واهدي ذلك لوطني العزيز. وتحدثت إلى الفنان "وهيب زقزوق" الذي قال لي انه شارك في المعرض بثلاث لوحات فنية، وجميعها تمثل التراث السعودي، بل انها تسجل قوة تراثنا، بحيث يتوجب علينا ان يظل هذا التراث في بؤورة حياتنا، صحيح اننا قد تقدمنا في عدة أمور في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، ولكن الأجمل ان تكون في كل خطوة نتقدمها نصطحب معنا تراثنا، نوثقه ونسجله ونجعله قيمة حية في ذاكرتنا واعمالنا الفنية والفكرية وفي معارضنا ومنتدياتنا. وقال الفنان زقزوق: حاولت من خلال لوحاتي الثلاث هذه أن اغوص في اعماق تراثنا، وكما ترى فقد استعملت اسلوب الكولاج في احدى لوحاتي كنوع من بناء اللوحة للدخول في العمل الفني وبأكثر من خامة فنية. ومن خلال رؤيتي لعمل الفنان زقزوق في لوحاته الثلاث لاحظت فخامة العمل، من خلال أولاً البروز الظاهر للوحاته الثلاث، التي كانت اقرب ما تكون إلى الملامح الحجازية القديمة، ومشاهد الرواشين ، وما تحفل به من بروز يدلل على الزخم الفني، اضافة إلى الرسالة التي قدمها الفنان عبر ريشته الماهرة في رسم اكثر من حركة على اللوحات تدل على تفاعل الحياة وحركتها واستمرارية دورانها. وقال لي الفنان الاستاذ عبدالله نواوي وهو يشرح لي لوحته الوحيدة التي شارك بها في المعرض، والتي اسماها جنوبيات إن عملي هذا استوحيته من تراث وجماليات اللون الجنوبي لبلادنا، ومن خلال الحبكة الفنية المستمرة للحياة في الجنوب السعودي والديمومة، واخذت في اعتباري ملمح القلاع التي يزخر بها جنوب المملكة، وقمت بتبسيطها إلى أبعد حد التفصيل، وركزت كما ترى على الوان الصحراء المساندة، وقمت في عملي الفني باللوحة باستخدام الرمل ، والذي كان أحد مقومات بنائها، حيث ان مثل هذه الأمور تساند الفنان على اعطار العمل الملامس الجمالية للشكل. وحاولت أن اغوص في اعماق فناننا الكبير نواوي فسألته عن عمق تجربته فقال انا ارسم منذ أكثر من اربعين عاما, وعملت ما يزيد عن خمسمائة لوحة فنية، وشاركت في الكثير من المعارض داخل وخارج المملكة.. ومن مشاركاتي التي اعتز بها في خارج بلدي مشاركتي في كل من بغداد، والشارقة، وبنجلاديش وغيرها. ولعلي وأنا اشاهد لوحة الاستاذ نواوي "جنوبيات" قد توقفت كثيراً امام بساطة العمل وقوة اللون والتعبير، وحجم الرسالة الجميلة التي قدمتها اللوحة. وفي مكان آخر من المعرض تحدثت إلى الفنانة "قمر الدروبي" وهي الفنانة النحاتة التي قدمت للمعرض ثلاثة اعمال فنية "منحوتات" كانت اضافة جيدة للمعرض من خلال بساطة العمل ومادته ورسالة العمل وجوانبه الابداعية لاشغال الفراغ بحيز فني عبارة عن كتلة فنية جيدة. تقول الفنانة "الدروبي" شاركت كما ترى بثلاثة اعمال عبارة عن منحوتات من مادة الحديد، وهي تمثل الانسان في حالات استرخاء مختلفة وجلوس متنوع، وجاءت من خلال اسالوب التجريدي.. وكلها اردت من خلالها أن املئ الفراغ بحيز فني جمالي، له كتلة ذات تعبير خاص، وكان الانسان محور عملي في جلسات وأوضاع مختلفة، وفي انسيابية معينة. واضافت الفنانة الدروبي: بالنسبة للون فقد اردت ان تكون قاعدة العمل والعمل نفسه بنفس اللون كفلسفة فنية خاصة، ومن منطلق رؤية معينة، بحيث تصنع من كل العمل قيمة فنية جيدة، وهذه رؤيتي وفكرتي في العمل وارجو أن تكون مقبولة عند متذوقي فن النحت. وتحدث معي الاستاذ خليل النخلاوي مدير قاعة العالمية التي اقيم فيها المعرض، فأعرب اولاً عن شكره للفنانيين المشاركين في معرض "ربيعيات 2009" وعبر عن سعادته برؤية هذه التظاهرة الفنية التشكيلية، والتي من شأنها ان تثري هذا النوع من الفنون، وتصنع التنافس بين الفنانيين، وتزيد من ثقافة المتلقي، وتشكل من قيمة فنية ورسالة اجتماعية ذات هدف سام. وقال الاستاذ النخلاوي شارك في معرض "ربيعيات 2009" عدد من الفنانيين الكبار وعددهم 29 فنانا وشاركوا بأكثر من "100" لوحة فنية، ملأت جنبات قاعة العالمية، وشهدت حضورا جيدا من الفنانين والجمهور ومن متذوقي الفن التشكيلي، وكانت الاعمال المشاركة متنوعة ومن مختلف المدارس الفنية التشكيلية "التجريدية، والواقعية، والاعمال التركيبية ، والمنحوتات". وقال الاستاذ النخلاوي ان من اهم اهداف صالة العالمية هو تقديم الفن الجيد للمتذوقين ، ونشر ثقافة الفن التشكيلي في اوساط الفنانيين وخاصة المبتدئين وكذلك الجمهور. كبار الفنانيين وشارك في معرض ربيعيات مجموعة من كبار الفنانيين التشكيليين وفناني النحت، وهم الفنانون والفنانات:(زهرة المتروك- قمر الدروبي - عبدالله ادريس - وليد الوابل - هيلدا الحياري - ابتسام الرفاعي - محمد السيهاتي - وهيب زقزوق - عبدالعزيز عشر - حسين المحسن - ابراهيم الخبراتي - فلاح السعيدي- ياسر خطار- هشام العايش- عبدالعزيز عاشور - طه صبان - لميس الحمودي- زمان جاسم - ريم ناظر- منى القصيبي- ابراهيم بوتس- فهد الحجيلان- اعتدال عطيوي- عبدالله نواوي - يوسف جاها- احمد فلمبان- عبدالرحمن السليمان). رأي الإعلاميين وعبر عدد من الاعلاميين الذين حضروا المناسبة عن سرورهم حيث اعرب كل من الاساتذة والاستاذات "هشام كعلي وخالد ربيع وعبدالله الدوسي وجميل فلاتة وحياة حفنه" عن سعادتهم برؤية هذه التظاهرة الفنية الجميلة، والتي تدل على قوة الفن ا لتشكيلي السعودي، ومكانته الجيدة، والتي صارت قادرة على مؤازرة الأعمال الفنية على المستوى الاقليمي والعربي، بل ومقارعة الاعمال الدولية، وهذا عنوان عريض على نباهة المواهب والقدرات السعودية وقدرتها على العطاء والابداع المتواصل، وبناء فكرها الفني سواء من خلال الافادة من العلوم الاكاديمية في هذا الجانب ، او من خلال التعلم الذاتي.