(البلاد الثقافية) حاورتها عن مسيرتها وحياتها وأحلامها. بسمة النسور امرأة تشبه نساء الأساطير، في عينيها رواية تلامس الشمس، وفي مفرداتها تحدٍّ تشعر معه بأنها بلقيس سبأ أو زنوبيا تدمر، أناقة عقلها لا تقاوم، وسمو كأنه صدى التاريخ. عملت بسمة كمحامية لمدة 15 عاما، ثم تم ترشيحها لرئاسة تحرير مجلة (تايكي) التي تعنى بالإبداع النسائي، هي كاتبة قصة من الطراز الأول وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، لها أربع مجموعات قصصية هي : نحو الوراء، اعتياد الأشياء، قبل الأوان بكثير، والنجوم لا تسرد الحكايات، ونص مسرحي بعنوان (لوثة التفاح)، وتعكف حاليا على إصدار مجموعتها القصصية الخامسة. تصفين نفسك بالمكر ودقة الملاحظة، فكيف تصفين لنا بسمة النسور من هذا المنطلق؟ بسمة النسور امرأة ترى بالقلم، المكر لدي هو أقصى درجات الذكاء الإنساني، ودقة الملاحظة هي التي تحول ملاحظات العين الماكرة لدي إلى قصص، أتوغل في شخوصها ووصفهم والبحث في أغوارهم، أنا امرأة واقعية ولست رومانسية، فأنا ضد رسم صور وردية لأشياء بائسة في الحياة لأنني أعتبر ذلك نوعا من الحماقة، أُتهم أحيانا بالتجريدية، لقد دخلت المجال العملي في سن مبكرة، وأكسبني هذا حساسية عالية ومشاعر حادة ولغة شاعرية بدون شعر، تلك الشاعرية الفضفاضة التي تلامس الغيوم وقدمي على الأرض. يلاحظ من كتاباتك أن تبحثين عن الذات بالتطرق للشخوص المختلفة والغوص في أعماقها، فأين تجدين ذاتك كامرأة مبدعة؟ مسألة الذات أمر جدلي للغاية، أنا أجد ذاتي عندما أفرغ شحنة الكتابة في داخلي، عندما أستطيع أن أعبر عن نفسي، وقد بدأت هذه المرحلة مبكرا، حيث كنت أقترف الكتابة وأنا طالبة في المدرسة، ونشرت كثيرا منها آنذاك في جريدة الدستور الأردنية، وكان لي مقال أسبوعي، نصحني على أثره الأستاذ مؤنس الرزاز بكتابة القصة، وفعلتها وكانت مجموعتي (نحو الوراء) بدايتي للتوجه للأمام. تبدأ قصصك من الأحلام، فقد ذكرت في لقاء بأنك تستيقظين من النوم لتكتبين، ماذا قصدت بهذا؟ الحلم هو الثيمة الأساسية في كتاباتي، والكثير من قصصي بدأت من حلم، حيث أستيقظ من النوم وفي داخلي حلم ساحر، وأطراف قصة أسارع في ترجمتها على الورق الأخرس، لتنطق بما أريد وتصرخ بهواجسي في أعمق معانيها. يلاحظ القارئ لمجموعاتك بأنك تكرهين دور المرأة الضحية، فكيف برأيك تلعب الشرقية غير هذا الدور في مجتمعنا الذكوري؟ المرأة الشرقية برأيي ليست ضحية، هي استطاعت أن تحصل على أغلب ما تريد، قدرت على أن تدرك حقوقها وتحصل على معظمها، إن دور الضحية الذي لبس المرأة، فصله لها الرجل والمجتمع، واقتنعت به وصدقته للأسف. كيف يمكن أن تشكل الحرية عبئا على المرأة كما وردت على لسان إحدى شخصيات قصصك؟ كانت القصة عن امرأة سوية عاقلة، قتلت زوجها، وكان السبب الذي أوصلها إلى هذا الأمر هو الاعتداء على حريتها، ومن هنا فالحرية أمر أساسي ، هي ليست عبئا، وليست حياة، وهكذا فإنه لا يمكن أن تكون الحرية متحققة للرجل أو المرأة بشكل كامل، فالمسألة نسبية، لكن يجب أن نكون سعيدين بتحقيقنا لحرية الاختيار والتعبير والرأي، على أن نضع في بالنا أنه من الصعب أن نحقق كل ما نريد. ماذا تعني عدم اللياقة الإبداعية لك؟ وكيف يمكن استعادتها؟ هي المرحلة التي أشعر فيها بأنني لا أستطيع الكتابة، بحكم ضغط العمل الصحافي ومسؤولياتي كأم، وفي هذه الفترة التي أعاني منها عدم اللياقة الإبداعية لا أحاول الكتابة لمجرد التواجد، وغالبا ما أستعيدها بالتأمل والحلم والحب. (نجوم لا تسرد الحكايات)، لماذا كانت قصص هذه المجموعة من أولئك المهمشين؟ لأن الشخصية المهمشة تغريني بالبحث في دواخلها، لا أحب الشخصيات المتحققة، ولا أجد فيها ما يحفز على الكتابة والبحث والتحليل. يقول المبدع جورج سيمنون: «إن الحياة لا تطاق بدون صناعة أشخاص نحبهم حينا وقد نقتلهم حينا آخر، حتى إذا كنا بحاجة ماسة إلى الحوار معهم»، متى تشعرين بأن الحياة لا تطاق؟ لا تطاق الحياة عندما لا أكون في حالة حب وانسجام معها، عندما أعاني من علاقة حب تخذلني، ولا أقصد الحب بين الرجل والمرأة فقط، لا أطيق الحياة عندما يحاصرني اليأس والإحساس باللاجدوى. في قصة «الصباحات الكثيرة»، يعود الصديق المتخيل للبطلة بعد أن ظن الجميع بأنها تماثلت للشفاء، فما الأشياء التي لا تعود بالنسبة لك؟ أستطيع أن أقول لك بأن الأشياء التي تعود هي الخيبة والحزن والألم والخذلان، وما عدا ذلك فإنه لا يعود، لحظات الفرح القصيرة، الإحساس بالأمان مع شخص نحبه، الألق المتعلق بالصبا، كل هذا لا يعود. «نكتب حتى يحبنا الأصدقاء» كما يقول ماركيز، لماذا تكتبين؟ لم أفكر في هذا الأمر من قبل، ومع احترامي لماركيز، فأنا لا أكتب لأجل أحد، ربما أكتب لأن بداخلي فائضا أحتاج أن أفرغه من المشاعر والانفعالات والانتصارات الداخلية وربما الانكسارات، أكتب لأعيش، فأنا امرأة أتنفس الحروف. يقول عبد الستار ناصر –الكاتب العراقي- في قراءة لمجموعتك الأخيرة (النجوم لا تسرد الحكايات)، بأنك تشبهين في قصصك دور الطبيب النفسي في التعامل مع شخوصها، فما تعليقك على ذلك؟ بالفعل، ومعظم قراءاتي منذ كنت محامية في علم النفس، لأن تعاملي يكون مع أنفس غير سوية أو ربما سوية انحرفت عن مسارها لظروف معينة، وهكذا في قصصي، أحتاج أن أتقمص الشخصية، وأدرسها وأحللها، حتى أستطيع التحدث بلسانها. مجلة (تايكي) كيف جاء هذا الاسم؟ تايكي هي حارسة عمّان القديمة في عهد العمونيين، ومن هنا جاء الاسم ليرتبط بالهوية النسائية الأردنية. عملت محامية لمدة 15 عاما، ثم تسلمت رئاسة تحرير (تايكي)، كيف كان هذا التحول العملي؟ وماذا أفادك عملك كقانونية في مجال العمل الإعلامي؟ التحول العملي كان صدفة، حيث رشحت لاستلام رئاسة تحرير أول مجلة أردنية ثقافية تعنى بالإبداع النسائي، وقبلت بدون تردد، وكان ترشيحي كوني قاصة وأديبة، أما بالنسبة لعملي كمحامية فقد أعطاني خبرة في نفوس البشر وتفكيرهم وطريقة التعامل معهم، جعلني واعية لكل ما يدور حولي، بالإضافة لشبكة العلاقات العامة التي كونتها خلال تلك الفترة العملية من حياتي. إلى أي المسمين تتحيزين في وصف ما تكتبه المرأة، إبداع المرأة أم أدب المرأة؟ ولماذا تصرين دوما على عدم حبك للتقسيمات التي تكون على أساس بيولوجي؟ أرفض دوما الأفكار المندرجة تحت تاء التأنيث، لأنه يتخذ مبررا للرداءة في كثير من المرات، ربما لا أكون متخصصة في مجال التقسيمات، لأن هناك نظريات ونقاش عالمي دائر، لكنني أوضح وجهة نظري فقط. تكتبين بتلقائية أم تكنيك؟ أكتب بالشحنة المشتعلة بداخلي، ليست تكنيك، وليست تلقائية، الإحساس هو المحرك الأساسي للفكرة لدي، وهو الدافع للمزيد من شغب الكتابة. لماذا برأيك المأساة هي أساس الإبداع في كافة مجالاته؟ لأننا في لحظات الفرح، ننسى أن نتأمل، الحزن هو الأبقى، والمأساة هي التي تحرضنا على الألم، الحزن أكثر وفاء، وحده يحفز في دواخلنا تدوين اللحظات. ما الذي يخذل بسمة النسور؟ الزيف الذي يحاصرنا ويملأ قلوب البعض، أكره الزيف مع اعتقادي بأن كل منا به درجة أو أخرى منه، لا أحب الأشخاص الغامضين وأؤلئك الذين يقدمون أنفسهم على مستويات ومراحل. كيف تتعاملين مع أبنائك؟ وما الشيء الذي تحرصين على تقديمه لهم؟ أتعامل مع أبنائي بمبدأ التآمر ضد الآخرين، لأقترب منهم أكثر، أقدم لهم (الصداقة) بمفهومها الراقي، أعطيهم الثقة وأوفر لهم الطقس النفسي ليكبروا أسوياء، أنا من الأمهات اللواتي يعتقدن بضرورة استمرار دور الرحم مدى العمر، لذلك فالدفء النفسي هو الذي أحيطهم به مهما كبروا وابتعدوا واشتد عودهم. ما الهم الذي تحملينه في داخلك كامرأة شرقية مبدعة؟ الإبداع الحقيقي... من يعجبك أدبيا؟ ولماذا تقولين دوما بأن نزار قباني هو أكثر من أساء للمرأة؟ جيد أنك سألتني عن من يعجبني وليس بمن تأثرت كما أسأل عادة، لا أعرف أن أتحدث بطريقة أنني تأثرت بفلان وفلان، فأنا خلاصة ما قرأت وما أعجبني وما لم يعجبني، أحب جبرا إبراهيم جبرا الذي قدم لي إحدى مجموعاتي القصصية، ومن الصعب أن أتحدث عن هذا المبدع كإنسان من لحم ودم، أحب دوستوفسكي، تلستوي، سارتر، وألبير كامو، أما بالنسبة لنزار، فأعترف أن دواوينه كانت دوما تحت وسادتي عندما كنت مراهقة، أما الآن فأشعر أنه (شيّأ) المرأة، وتعامل معها كجسد ووعاء لشهوات الرجل، وهو ما لا يتناسب مع تفكيري اليوم. ما رأيك بنوال السعداوي؟ هي طبيبة جيدة، وباحثة رائعة، لكنني لا أميل لقلمها عندما تكتب أدبا. لا نلاحظ أن لك علاقة بالمكان في قصصك باستثناء مرة واحدة عندما ذكرت مدينة العقبة، لماذا؟ علاقتي بالمكان صعب الحديث عنها، وأعتقد أن القصة القصيرة يهمها الشخوص والأحداث ولا يضيف لها المكان بعدا رئيسيا. لك نص مسرحي (لوثة التفاح)، فكيف ترين واقع المسرح في الأردن؟ هناك محاولات جادة وجيدة، لكن المشكلة في آلية عرض هذه المسرحيات، فنحن لا نعمل على المسرح طوال العام، وخلال 15 يوما نركض لإقامة مهرجان مسرحي وعرض واستضافة مسرحيات، إذن المشكلة في موسمية العمل. من كنت تودين التعرف إليه على الساحة الأدبية ولم تسمح لك الفرصة؟ غسان كنفاني، موته فجيعة، أعشق عوالمه ورسائله لغادة السمان، كذلك تيسير السبول. هل من شيء تودين إضافته؟ أشعر بالذنب، أحتاج بعد هذا الحوار العميق أن أكتب قصة، شيء داخلي يحفزني...