حينما أقلع الفتى الصغير بكرة الافتتاح نحو المنصة انتقلت الصورة لوجه خادم الحرمين الشريفين الذي ارتسمت عليه ابتسامة عريضة لحظة تحليق الفتى ، لكن تلك الابتسامة الأبوية أخذت تتلاشى شيئاً فشيئاً ليحل مكانها شعور يشبه القلق والخوف ، لقد لاحظت ذلك بشكل واضح .. وأقد أعدت المقطع لأكثر من مرة ، تزامن هذا الشعور مع توقف لا إرادي ليديه اللتان كانتا تصفقان بحرارة لكنهما مع تزايد ارتفاع الطفل عن الأرض تيبستا أمام وجهه,يحفظه الله ، وظلت كل يد ترتكن لليد الأخرى وتشد عليها بقوة ، في حين كانت عيناه تلاحقان الفتى المحلق في سماء الملعب بنظراتهما القلقة ، لكن ما إن حط الفتى بالقرب من المنصة حتى تجلت على ملامحه علامات الارتياح ، وذلك بعد أن اطمأن أن الطفل قد وصل آمناً ودونما أن يصاب بأذى ، لقد وفق المخرج لالتقاط هذه التفاصيل الدقيقة لمشاعر زعيم تاريخي لم يزل منذ أن تولى منصب الملك قبل زهاء التسع سنوات يتنكر لكل ديباجة الملك وتيجان الزعامة ، وكلنا نتذكر كيف كان يرفض رفضاً صارماً لقب صاحب الجلالة ، وكيف كان يرفض رفضاً قاطعاً تقبيل يده أو كتفه مهما كانت المبررات ، كان يعد نفسه واحداً من شعبه لا يميزه شيء عنهم سوى أن الله خصه بالعمل على رعايتهم ، هكذا كان عبدالله بن عبدالعزيز ولم يزل حاضراً مع شعبه بقلبه وذهنه ووجدانه ، وهنا يكمن سر بهجة ذلك المساء. فالمبهج في افتتاح جوهرة جدة الرياضية مساء الخميس الماضي لم يكن ضخامة هذا المشروع الذي يباري في روعته كبريات المشاريع الحديثة في العالم طرازاً وتقنية وحسب .. ولم يكن كذلك بسبب العروض الضوئية التي تزامنت مع هذا الافتتاح التاريخي وحسب .. ولم يكن كذلك جراء الأوبريت الفني المصاحب لتلك العروض وحسب .. ولم يكن كذلك بسبب المباراة التي جمعت بين الفريقين على أرضية هذا الاستاد الرياضي الأنيق وحسب ، نعم ..وأؤكد لكم أن أياً مما سبق لم يكن المحرك الرئيس في موجة الابتهاج الوطني ليلتها رغم أن الواحد منها كفيل بزرع مساحات شاسعة من سنابل الفرح في قلب كل من كانت شيمته حب الوطن .. وحب توارد المنجزات على أرضه ، غير أني أعتقد أن أيقونة الفرحة الأساسية هي رؤية الشعب لوالدهم المحب ..عبدالله بن عبدالعزيز سالماً معافا بمشاعره الصادقة وعفويته الطاهرة داخل إطار المشهد الذي تناولته معظم القنوات الإقليمية. لقد أيقن الشعب السعودي إن تجشم خادم الحرمين الشريفين لعناء التواجد معهم في هذا المحفل البهيج وإصراره على أن يزف لهم هذه الهدية الغالية رغم آلامه أنه أجمل ما في الحفل وأروع ما حدث خلاله ، يدلل على ذلك كثرة تداولهم لصور ابتسامته,يحفظه الله, بعد انقضاء الحفل في حساباتهم الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلهم المذهل مع كلمته العفوية التي جعلوا منها أبياتاً وقصائد أخذت تجوب فضاءات ( السايبر ) في ظرف دقائق معدودات ، الجميل في تلك الليلة إجمالاً أنها أتت لتؤكد لكل المتربصين وخفافيش الفتنة الذين يتوارون وراء تحزباتهم وتنظيماتهم الشيطانية أن مسألة إشعال فتنة تستهدف هذه العلاقة الودودة بين شعب المملكة وقيادته مسألة بعيدة المنال ..حفظ الله بلدنا وأمننا وقيادتنا من كل الشرور.. ودمت يا وطني بخير دائماَ وأبداً .