(2-2) عدت أدراجي للبوَابة ومازلت متوجِسة من هذا التجمهر فسألت رجلاً قريباً من البوَابة بما أن الأقرب هم من بدأوا التجمُع بطبيعة الحال:"لو سمحت، هذي بوَابة رحلة الرياض صح؟" فأجاب بنعم.. فاستطردت:"نادوا عليها؟" فأجاب بلا ولم يبرِر وقوفه..! ولكن هل استطيع أن ألومهم فهم غالباً ضحايا سابقين (للأوفر بوكينج) حيث يتم تغيير نوع الطيارة بطريقة عشوائية غير مدروسة بعد أن حجز المسافرون المقاعد وتكون الطيارة الجديدة ذات مقاعد أقل وينتهي الأمر بعدد من المسافرين بلا مقاعد..! أو قد يكونوا ضحايا عدم وضوح النِداء وربَما ضحايا ثقافة القطيع.. المهم أنهم ضحايا فلا يوجد من يفضِل الوقوف على الجلوس إن لم يكن لديه سبب وجيه على الأقل بالنسبة له..! تركته وعدت لمقعدي متَخذة وضعية الترقُب هذه المرَة وظللت أراقب البوَابة عن بعد فمفاجآت مطاراتنا كثيرة ولا اتطلُع لها..! بعد النداء الأول للرِحلة، انضممت للمتجمهرين في طابور عنقودي الشكل ونزلنا جميعاً حيث صالة انتظار الباص حيث يقف كل مسافر أينما يشاء وأمام من يشاء متى ما شاء، وفي نفسي أقول:"ليش يعني ما يحطُّوا مسار ينظِم المسافرين غصب ويضطر كل واحد ينزل يأخذ مكانه الطبيعي؟؟؟" ثم صعدت إلى الباص ذي المقاعد المحدودة وقد كتب فوقها أنَها مخصَصة للنساء وكبار السِن ولكن يجلس فيها ذكران شابَان _أتحفَظ على تسميتهما رجالاً_ ينظرون إلى النساء والأطفال الواقفين بلا مبالاة..! خطر لي أن استرع انتباههما لما كتب فوق رؤوسهما الخفيفة ولكنِني تردَدت فغالباً لا يرجى من أصحاب الرؤوس الخفيفة تجاوباً محموداً.. وبطبيعتي التي اعتادت أن لا تسكت عن الحق والممارسات الخاطئة طلبت من ابني ذي السبعة أعوام أن يقرأ المكتوب لي ليتمرَن على القراءة ولم يكد يبدأ بالقراءة حتى طلبت منه رفع صوته لأسمعه بوضوح..! وكما هو متوقَع فقد تظاهر الشابان الأعميان بأنهما أصمان كذلك..ولكن نظرات من حولنا لهما والابتسامات الصفراء على الموقف كانت مرضية لي.. فربَما هما محرجان وربَما لا يكرران فعلتهما.. ربما.. ولو أني جلست فوجدت مسنَاً أو مسنَة واقفين لبادرت بالوقوف ليجلسا وكذلك كان سيكون موقفي مع الحامل أو المرضع التي تحمل طفلها.. فالأفضليَة لمن هم أضعف بنية.. على الطائرة مقاعد خالية وركَاب واقفون يعطِلون سير الركَاب الآخرين ريثما يتناقشون في سبل تغيير مقاعد نسائهم لتكون بعيدة عن الرجال.. ويصل راكب إلى مقعده أخيرا والذي حجزه في مقدِمة الطائرة ودفع عليه رسوماً إضافية ليجده مشغولاً وتبدأ فوضى أخرى وأخرى.. ويمر ببالي مشهد من حلقة الخضار كما أتذكره من طفولتي.. أتَخذ مقعدي وأتنفس الصعداء فتأتيني مضيفة تستأذنني في أن أغيِر مقعدي لأحلّ أزمة امرأة لا تريد أن يجلس بجوارها رجل! وما بدا أنه استئذان سرعان ما أخذ هيئة الأمر عندما رفضت العرض فرمقني كل من المضيفة والرجل الواقف خلفها بنظرات مستنكرة! تبسَمت لهما وكررت رفضي مع اعتذار.. لن أكون جزءاً من ظاهرة حلقة الخضار في غير حلقة الخضار.. ظاهرة علاجها يستدعي إدخال برمجي بسيط لنظام إصدار بطاقات صعود الطائرة ليظهر جنس الراَكب على مقعده ويتمكن الموظَف من تلبية احتياجات المسافر ووضعه وأهله حيث يناسبهم من المقاعد الشاغرة.. صحيح هل وجد الطفل الضائع أهله الضائعين!!! تجربة السفر تعكِرها مشاهد غير حضارية ومزعجة لا يحتاج القضاء عليها سوى أن يكون الرجل في ذلك النظام صاحب قرارات مدروسة صادرة هي الأخرى عن نظام في منهجية تفكير ذلك الرجل..