قرر مسؤولو مدينة مكسيكو سيتي تسيير باصات مخصصة لنقل النساء فقط وتحمل الباصات الجديدة لافتات كبيرة باللون الوردي مكتوب عليها «باصات مخصصة للنساء» وتعليقاً على ذلك تقول امرأة في السبعين من عمرها «إن هناك فائدة أخرى للوجود في باص واحد مع نساء أصغر سناً، حيث ان الرجال لا يتركون مقاعدهم لمن هم أكبر سناً ابداً لأنه لم يعد هناك رجال محترمون». وأنا أقرأ هذا الخبر في إحدى المجلات لم يخطر على بالي تخصيص باصات للنساء في مدن المملكة للتنقل، لأننا لا نستخدمها في تنقلاتنا، ولا علاقة لنا بمشاكل الركاب في الباصات داخل المدن، لكن لنا علاقة بباصات مطار الملك عبدالعزيز في مدينة جدة، منذ قديم الأزل، لنا علاقة بالسفر من خلال ركوب الباص أولاً حتى نصل منه إلى الطائرة، وكأن من يسافر عن طريق مدينة جدة مكتوب عليه التنقل براً ثم جواً، وصعود ذلك السلم الطويل الذي يتوقف عليه وعلى درجاته الكثير من الرجال والنساء الكبار في السن من التعب والإرهاق، ويحمدون الله عند الوصول إلى باب الطائرة، أو النزول منها وملامسة أرض مطار جدة! باصات مطار الملك عبدالعزيز، والتي تنقل المسافرين إلى الطائرة، ومن ثم تعود وتحملهم من الطائرة إلى المطار في طريق عودتهم، لمن جربها وأعتقد الأغلبية من المسافرين يوجد في داخل كل باص من هذه لوحة مكتوب عليها «المقاعد مخصصة للنساء وكبار السن» طبعاً من الرجال ومن النساء، والمقاعد في الباص محدودة، وأغلب المسافرين من لهفتهم على السفر، وكذلك العودة يتزاحمون وقوفاً، رغم وجود باصات عديدة تتلاحق في حمل المسافرين إلى الطائرة، أو منها، لكن اللافت وبالذات عند العودة تجد الموظفين يطلبون من القادمين أن يتكدسوا في الباص، وأن يغادروا بسرعة في مشهد غير حضاري حيث تتشبث النساء بالحلقات المعلقة في أعلى سطح الباص الداخلي، أو تمسك بحديد الباص وأعمدته حتى يصلن إلى صالة المطار الدولية. والمذهل أنه في وسط هذا الزحام وبالذات في الإجازات والمواسم يتسابق في الجلوس على الكراسي كثير ممن لا تشملهم اللافتة المعلقة من رجال قادرين على الوقوف، أو نساء وأزواجهن، ولا يتحرك هذا الزوج من جانب زوجته أو قريبته رغم وقوف نساء كبيرات، أو لرجال عاجزين عن الوقوف، أو حتى نساء لهن الحق في الجلوس بدلاً عنه! في الذهاب وفي تجمع الركاب المتأخرين ببطء وهذه جربتها عدة مرات تجد الرجال يجلسون على الكراسي بهدوء وبرود رغم وقوف عدة نساء يتابعن المشهد بهدوء أيضاً! لا يتحرك هؤلاء من مقاعدهم، عفواً مقاعد النساء والتي لا يعتقد أحد أنهن يطالبن بها كحق مشروع، شرعته الخطوط السعودية، ويعارض البعض المبدأ من منطلق أن النساء دائماً ما يبحثن ويطالبن بالمساواة في الحقوق، والواجبات ولذلك هي هنا تعامل كراكب بصرف النظر عن جنسها أو سنها، كما قال لي أحد أقاربي والذي يعمل بالخطوط السعودية ويرى أن الراكب قد دفع ثمن التذكرة بعيداً عن جنسه ومن حقه أن يحصل على المقعد الذي يستحقه، وأنا أناقشه، وأحاول ان اجتاز مسامات عقله المغلقة، سألته: مادام الأمر كذلك: لماذا لا توفر الخطوط باصات بمقاعد كافية تكفي الجميع كارثة الوقوف وتحفظ كرامة الجميع؟! ولم يجب قريبي واكتفى بأن موضوع الباصات سينتهي بعد سنوات معدودة، وحتى ينتهي تشكّل صورة الرجال الذين لا يتركون مقاعدهم للنساء رغم أنها مخصصة لهن صورة غير حضارية، وغير متوازنة مع من يروجون لاحترام المرأة، وصورة قاتمة لرجال غير محترمين، قد يجلس أحدهم في عيادة طبيب يناقشه لوجود مقعد واحد، وتقف المرأة التي معه خلفه، أو بعيداً عنه، والمشكلة أن هذه الباصات لا يصعد عليها موظف مسؤول على الأقل يعرف كيف يطبق من يصعد إلى الباص نظام الجلوس على المقاعد! وحتى تحصل المرأة على حقها الطبيعي في الجلوس في مكان مخصص لها عليها أن تطالب به، وهذا ما تتجنبه بعض النساء حتى لا يتعرضن لردود غير لائقة من مسافرين غير محترمين، بعد أن غابت المروءة واللياقة واحترام الكبار وبالذات ممن لا يستطعن الوقوف! وحتى تغيب هذه الصورة المتكررة كل يوم يحتاج مطار الملك عبدالعزيز كما قرأت لسنوات عديدة قادمة ليغلق ملف الباصات المتنقلة والموصلة إلى الطائرات ومنها!