أولت رابطة العالم الاسلامي منذ نشأتها اهتماماً خاصاً بقضايا الحوار، ووضعت برامج عملية لتنفيذها. ونعرض في سور موجزة لأهم الجهود العلمية والعملية التي قامت بها الرابطة تشجيعاً لثقافة الحوار: أولاً: قرارات المجلس التأسيسي الخاصة بالحوار: أصدر المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي - وهو أعلى سلطة بعد المؤتمر العام - عدداً من القرارات الخاصة بالحوار: - في الدورة الثامنة عشرة للمجلس 1976 م وافق المجلس على الاشتراك في مؤتمرات الحوار التي يدعو إليها مجلس الكنائس العالمي، وسمّى أربع عشرة شخصية اسلامية للمشاركة في هذه المنتديات الحوارية. - في الدورة التاسعة والعشرين 1989 م أصدر المجلس توصيته بمشاركة الرابطة مع الجهات الداعية للحوار حول الموضوعات والمسائل التي تهم البشرية بشكل عام مثل السلام العالمي ومكافحة الجرائم والمخدرات والمسكرات و محو الأمية والعناية بالأطفال والمعوقين وغيرها. - في الدورة الثالثة والثلاثين 1994 م أصدر المجلس قراره التاسع عشر المتضمن شكر الأمانة العامة على مشاركاتها في مؤتمرات الحوار مع أتباع الأديان المختلفة. - وأكدالمجلس التأسيسي في دورته الثامنة والثلاثين في عام 2004 م على ضرورة وضع آلية لقواعد الحوار وموضوعاته، وأوصى الأمانة العامة للرابطة بعقد لقاء بين المتخصصين وأصحاب التجربة لدراسة قضية الحوار بين اتباع الاديان. ثانياً:الموتمرات والندوات: عقدت الرابطة عام 2005 م مؤتمر مكةالمكرمة الخمس تحت عنوان "الحوار الحضاري والثقافي أهدافه ومجالاته". كما نظمت العديد من المؤتمرات التي تضمنت محاورها قضايا الحوار مثل مؤتمر "وحدة الأمة الاسلامية"، ومؤتمر "الامة الاسلامية والعولمة"ومؤتمر "الخطاب الاسلامي واشكاليات العصر". وانطلقا من مبادئ الاسلام التي تؤكد تنوع البشر وتشجيع التفاهم المتبادل، عقدت الرابطة سلسلة من المؤتمرات الدولية لحوار الحضارات في كل من تايوان وقرغيزستان وقازاخستان وسريلانكا والارجنتين وغيرها، وذلك لمعالجة قضايا التعايش السلمي ومعوقاته في عصر العولمة. وأوصت هذه المؤتمرات أن يبقى باب الحوار مشرعا مهما واجهته من عقبات، فالبديل عن الحوار هو العنف والصراع وما يأتي في أذياله من كوارث ونكبات تنال بمآسيها الجميع. وأكدت هذه المؤتمرات أن لقاء النخب الواعية وحوارهم يزيل الكثير من التراكمات وسوء الظن والأفكار الموروثة، وفي ذلك ما يساعد على تحديد الوسائل العملية لاشاعة روح التعايش بين الشعوب والتأثير على صناع القرار للتجاوب مع تيار عالمي ينشد السلام والاستقرار. ثالثاً: المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار: انعقد المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار في مكةالمكرمة في الفترة 30-5-2-6-1429ه الموافقة 4-6-6-2008م تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وبحضور سبعمائة من القيادات الاسلامية العالمية. وهو تتويج لجهود الرابطة في تشجيع ثقافة الحوار على الصعيد العالمي بهدف ترسيخ التعاون بين الاديان من اجل السلام والأمن المشترك. قبسات من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: - أكد خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، في كلمته الضافية في افتتاح المؤتمر على أن المشاركين فيه يجتمعون ليقولوا للعالم من حولنا: اننا صوت عدل، وقيم انسانية أخلاقية، وإننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، وصوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن تلبية لقول الله تعالى "ادع إلى سبيل ربك . بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل: 125 - ونوه خادم الحرمين الشريفين بأهمية الحوار في الاسلام وان الرسالات الالهية قد دعت جميعها الى خير الانسان، والحفاظ على كرامته والى تعزيز قيم الاخلاق والصدق، وقيم الاسرة وتماسكها واخلاقياتها التي تفككت روابطها في هذا العصر حيث ابتعد الانسان عن ربه وتعاليم دينه. - كما نوه فخامة الرئيس علي اكبر هاشمي رفسنجاني رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام في الجمهورية الاسلامية الايرانية، بأهمية المؤتمر مكاناً وزماناً، وان اتلمملكة العربية السعودية اطلقت من خلاله نداء جديداً وقدمت رسالة عظيمة للبشرية جمعاء. - واكد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء فيها عن ان الحوار بين البشر من ضروريات الحياة، وانه وسيلة للتعارف والتعايش وتبادل المصالح بين الامة، وان الاختلاف بين الناس امر موجود في طبائعهم واخلاقهم، وهم متفاوتون في ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم وعقولهم. - واعتبر سماحة الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الازهر الحوار سنة من سنن الله في خلقه، وانه خير وسيلة للوصول الى الحقيقة، والى تقليل الخلافات بين الناس، وان القرآن الكريم زاخر بأنواع متعددة من حوارات الرسل مع اقوامهم. - واكد معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الامين العام لرابطة العالم الاسلامي على ان الاسلام يملك حلولا ناجعة للازمات التي تواجهها البشرية، وان الامة المسلمنة مدعوة للاسهام مع غيرها من اتباع الديانات في مواجهة هذه التحديات بما يتفق عليه الجميع من المشترك الانساني الذي يدعو الى الالتزام بفضائل الاخلاق، ويرفض مظاهر الظلم والعدوان، والانحلال الاخلاقي والتفكك الاسري والاضرار البالغ بالبيئة البشرية والاخلال بالتوازن المناخي. قبسات من نداء مكةالمكرمة الصادر عن المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار استشعارا من القيادات الاسلامية التي التأمت في المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار "مكةالمكرمة 30-5 :2-6-1429ه الموافق 4-6--6-2008م بما يواجه العالم من تحديات كثيرة تهدد - بتداعياتها - مستقبل الانسانية، وتنذر بالمزيد من الكوارث الاخلاقية والاجتماعية والبيئية. واسترشاداً بالقيم الاسلامية النبيلة بشأن الحوار العالمي وبالامن المشترك والسلام والعدالة والمساواة بين البشر وكرامة الانسان صدر نداء مكةالمكرمة، وفيما يلي اهم ما تضمنه من معان بايجاز: - الاختلاف بين الامم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم واقع بارادة الله ووفق حكمته البالغة، مما يقتضي تعارفهم على ما يحقق مصالحهم، ويحل مشاكلهم في ضوء القيم المشتركة، ويؤدي الى تعايشهم بالحسنى وتنافسهم في عمارة الارض وعمل الخيرات: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء لجعلكم . امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعاً" المائدة: 48 - الحوار منهج قرآني اصيل وسنة نبوية، ومجتمع المدينةالمنورة الذي اقامه النبي صلى الله عليه وسلم هو الأنموذج الامثل في التعايش الايجابي بين اتباع الديانات المختلفة. - ضرورة الالتزام بضوابط الاسلام وآدابه في الحوار، بأن يكون موضوعياً، وبالحكمة والحجة والبرهان، والجدال بالتي هي احسن، دون اسفاف او تطاول على معتقدات الآخرين، مما لا يرتضيه الاسلام، ولا تقتضيه موضوعية الحوار. - الحوار الهادف والتعايش السلمي يعني التعاون على ما فيه خير الانسان وحفظ كرامته وحماية حقوقه، ورفع الظلم ورد العدوان عنه وحل مشكلاته وتوفير العيش الكريم له، وذلك يشمل حماية القيم والاخلاق ورفض ظواهر الارهاب والظلم ورفض مظاهر العدوان على البيئة بكل مكوناتها، ومعالجة مشكلات الاسرة وما لحق بنظمها المستقرة من انهيار، والتعاون الدولي على حمايتها، وتوفير مقوماتها الاساسية، وتوجيه الاعلام الى اصلاح القيم الاخلاقية وعدم اثارة الفتن والترويج للانحراف والجريمة والادمان. - ان الاسلام ارسى المبادئ العامة للتعايش والحوار، ومن اهمها وحدة اصل البشر، وانهم متساوون في الانسانية، ورفض العنصرية والعصبية، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وان الله تبارك وتعالى خلق الانسان محبا للخير مبغضاً للشر، يركن الى العدل، وينفر من الظلم، وان بعد البشرية واعراضها عن هدى الله عز وجل، وهدي رسله صلوات الله وسلامه عليهم، هو السبب الرئيس لما يرزح الجنس البشري تحته من الشقاء الذي يهدد مستقبله. توصيات المؤتمر - انشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للتواصل بين الحضارات، بهدف اشاعة ثقافة الحوار، وتدريب وتنمية مهاراته وفق اسس علمية دقيقة. - انشاء "جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للحوار الحضاري" ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق اهدافه. - عقد موتمرات وندوات، ومجموعات بحث للحوار بين اتباع الاديان والحضارات والثقافات والفلسفات المعتبرة، يدعى اليها اكاديميون واعلاميون وقيادات دينية تمثل مختلف الثقافات العالمية. - فتح قنوات الاتصال والحوار مع اتباع الرسالات الالهية والفلسفات الوضعية، والمناهج الفكرية المعتبرة، بما يساعد على تحقيق المصالح الانسانية المشتركة. - مطالبة دول العالم والمؤسسات الدولية وفي مقدمتها هيئة الاممالمتحدة بالقيام بواجباتها، في مواجهة ثقافة الكراهية بين الشعوب، ومواجهة الدعوات العنصرية الفاسدة التي تحض معتنقيها على الكراهية غيرهم والاستعلاء عليهم، مما يقوض الامن والسلم العالميين، ويتنافى مع الرسالات الالهية والمواثيق الدولية، والنظر الى هذه الدعوات على انها جريمة تهدد التعايش السلمي بين الشعوب. نداء المؤتمر إلى شعوب العالم وحكوماته ومنظماته وجه المؤتمر نداءه الى شعوب العالم وحكوماته ومنظماته، ودعاهم الى: - التفاهم بيننا وبينهم بأن نؤمن بالله خالقنا، ونعبده وحده، ونتلمس هديه الذي انزله على انبيائه ورسله. - ان نواجه متحدين مظاهر الظلم والطغيان والاستعلاء ونتعاضد في انهاء الحروب والصراعات والمشكلات الدولية، ونعمل سوياً على اشاعة ثقافة التسامح والحوار ودعم مؤسساته وتطوير آفاقه، واعتماده وسيلة للتفاهم والتعاون وتوطيد ركائز السلم العالمي، والكف عن هدر موارد الانسانية ومواهبها في انتاج اسلحة الدمار الشامل التي تتهدد مستقبل الارض بالفناء. - التعاون على اشاعة القيم الفاضلة وبناء منظومة عالمية للاخلاق، تتصدى لهجمة الانحلال الاخلاقي، وتواجه العلاقات غير الشرعية، خارج اطار الزواج، وتعالج الاخطار المحدقة بالاسرة بما يصون حق الجميع في العيش ضمن اسرة سعيدة. - السعي معاً في عمارة الارض وفق مشيئة الخالق الذي اناط بأبينا آدم وذريته عمارتها واصلاحها، ووقف الاعتداء على حق الاجيال القادمة في العيش في بيئة نقية من التلوث بأنواعه المختلفة، والحد من اخطاره بالسعي المشترك للتخفيف من اثاره، وترشيد التقدم الصناعي والتقني. - التعاون في اصلاح الواقع الكوني الذي عم معظمه الفساد والشقاء، وجعله واقعاً تشمله رحمة الله، التي هي جوهر ما ارسل به نبينا محمد - عليه وعلى انبياء . الله الصلاة والسلام - "وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" الانبياء: 107