التعادل الإيجابي يحسم لقاء الأخدود والتعاون    الأهلي يعمق جراح الرائد بثنائية في دوري روشن للمحترفين    وزير الخارجية: المملكة ترفض رفضاً قاطعاً كل أشكال تهجير الشعب الفلسطيني    الزمالك يعلن تجديد عقد الونش حتى عام 2028    ضبط شخصين بالقصيم لترويجهما الحشيش وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ترامب: سياسة الرسوم الجمركية تسير بشكل جيد    أموريم يعرب عن ثقته في أونانا رغم أخطاء مباراة ليون    تحطم طائرة صغيرة في فلوريدا الأميركية ومقتل 3 أشخاص    منتخب السعودية في المجموعة الرابعة ضمن الكأس الذهبية    طريق صلاح الصعب إلى عرش كرة القدم الانجليزية    FreeArc سماعات بخطافات للأذن    أمين القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية    بر بيش تقيم حفل معايدة الأيتام تحت شعار فرحة يتيم    معايدة الموظفين تكسر الروتين وتجدد الفرحة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 46 كيلوجرام من "الكوكايين"    أمين عام غرفة جازان: تتويج الغرفة بجائزة التميز المؤسسي ثمرة سنوات من التحديات والتطوير    الأرصاد: انخفاض في درجات الحرارة شمال المملكة    مشامر الجلوات السبع صناعة هندية وطقوس سعودية    هرمون التستوستيرون عند النساء    جوزيه قوميز: مواجهة الخليج هي الأهم.. ونسعى لإنهاء الموسم بأفضل صورة    أشجار «الجاكرندا»    أعراس زمان    روبوتات الإسعافات الأولية    «أسبوع فن الرياض» منصة عالمية    قوانين لحماية التماسيح    أمانة الطائف تجهز سجادة زهور ضخمة بمنتزه الردف    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    الجاسر ريادة المعرفة والتنوير في قلب الجزيرة العربية    الاتحاد يتغلّب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُفعّل "التوعية بالقولون العصبي"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة"    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وهيئة التراث توقعان مذكرة تفاهم    إعادة توطين 124 من طيور الحبارى النادرة في محمية الملك سلمان الملكية    475 ألف غرفة مرخصة في المرافق السياحية بنهاية 2024    4 متوفين دماغيا ينقذون حياة 8 مرضى    نمو قياسي في إنفاق السياحة الوافدة بمنطقة عسير خلال عامين    جامعة الأميرة نورة تمنح حرم خادم الحرمين الأميرة فهدة آل حثلين درجة الدكتوراه الفخرية في المجال الإنساني والأعمال الاجتماعية    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    في الخبر.."جوازك إلى العالم" تنطلق بالثقافة السودانية    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    الإحصاء تنشر نتائج مؤشر الرقم القياسي للإنتاج الصناعي لشهر فبراير    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    كنوزنا المخبوءة    اعتبرها مراقبون ممارسة لإستراتيجية الضغط قبيل التفاوض.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    رفع التهنئة للقيادة الرشيدة.. وزير الطاقة: 14 اكتشافا جديدا للنفط والغاز في الشرقية والربع الخالي    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    حين يتصدع السقف    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيف بن أعطى ..الشتات الأول
نشر في البلاد يوم 01 - 08 - 2008

ليس أغرب من هذا العام في حياة سيف بن أعطى، ففي مطلع اليوم الأول منه كان سيفٌ مع شقيقه يركضان من المنزل باتجاه الحرم المكي الشريف للحاق بالركعة الأولى من صلاة الفجر، ولكن .. كانت المفاجأة أن وجدا أبواب الحرم مقفلة !
عادا إلى البيت ليخبرا الأهل بما رأياه فلم يصدقهما أحدٌ في بادئ الأمر، ثم كان ما كان من أصوات إطلاق نار، وعلم الجميع وقتها أن عصابة مسلحة احتلت المسجد الحرام في صبيحة ذلك اليوم ..
أغلقت المدارس أبوابها، واعتكف الناس في بيوتهم، وبما أن بيت سيف كان لا يبعد كثيراً عن المسجد الحرام، فقد كانت مناظر المعركة والنيران ودماء الضحايا من المصلين الأبرياء والجنود المدافعين عن بيت الله لا تنسى أبداً مهما امتد بسيف العمر ..
وقد يستغربُ الآن سيفٌ من نفسه حين يتذكّر : كان في الحادية عشرة من عمره، ويمتلك جرأة جعلته ينطلق على دراجته النارية مرّات ومرّات كالصاروخ من أمام ساحة المسجد الحرام، ليلتقط في كل مرة أحد المحاصرين هناك، والمحتمين بالسيارات الواقفة، ليحمله مبتعداً به عن مكان الحدث ..
دام هذا الحدث أسبوعين تقريباً، وانتهى بالقبض على العصابة المسلحة، التي عرفت باسم " عصابة جهيمان " نسبة إلى زعيمها جهيمان .
٭٭٭
في العام نفسه 1400ه، نجح سيفٌ في المرحلة الابتدائية " المنتهية بالصف السادس " وحقق كعادته الترتيب الأول، ليس على مدرسته فقط .. بل على مستوى مدارس مكة المكرمة جميعها .. وهذا ما جعله يتأهل للدخول في مسابقة كبرى نظمتها وزارة المعارف آنذاك يشترك فيها المتفوقون دراسياً من مختلف المراحل ومختلف مدن المملكة .
كان حشدٌ طلابي لم يرَ سيفٌ مثيلاً له، في قاعة كبرى ربما كانت قاعة جامعية أو ما يشبه ذلك وكانت الأسئلة كثيرة ومتنوعة ومتعددة الأشكال، شفهياً وتحريرياً ورياضياً، وكلها بعيد عن المناهج تماماً .
دام امتحان المسابقة ست ساعات، أو نحو ذلك، وظهرت النتائج بعد عدة أسابيع كان ينتظرها سيفٌ على أحرّ من الجمر .. وحين جلس في المكان المخصص ليستمع إلى اسمه في الإعلان، لم يكن اسمه " الأول " كما اعتاد، ولا الثاني .. ولا حتى الرابع .. بل كان سيف " الخامس " هذه المرة ..
تقدم الفتى بحزن شديد وهو يصعد إلى المنصة لاستلام جائزته البائسة، وخرج مسرعاً من المكان ليلقي بالجائزة على الأرض .. و " يشوتها " بقدمه ويركض بعيداً عنها وهو يجلد نفسه باللوم والتأنيب والتوبيخ ..
ترك سيفٌ جائزته " المكونة من كأس زجاجية، وطقم أقلام، وشهادة تفوق " ملقاة في الشارع وعاد إلى البيت .. رافضاً تلك الجائزة التي هبطت به من المركز الأول الذي اعتاد عليه الى مركز خامس لا يذكره إلا بترتيبه الخامس " والأخير " بين اخوته الذكور .
٭٭٭
وفي العام نفسه 1400ه أيضاً، كان على جميع سكان الأحياء المجاورة للحرم المكي إخلاء البيوت لصدور قرار بإزالتها تماماً وبدء التهيئة لمشروع توسعة الحرم .
كان منظر الناس وهم يغادرون بيوتهم يترك دمعاتٍ حرّى تحفرُ في القلب، وكان سيفٌ غير مصدق لما يجري حوله : أهكذا إذاً؟ زملائي .. أصدقائي وأعدائي .. جيراني .. أصحاب الدكاكين .. الرصيف .. الأزقة الترابية .. الكلاب والقطط .. كل شيء
سأودعه الآن ولن أراه مرة أخرى؟
كان والد سيف قد اشترى منزلاً يبعد كثيراً عن الحي الأصلي، ويحفر عميقاً في " المسفلة " حيث كل شيء بدائي هناك في ذلك الوقت .
ربما كان للبيت الجديد فرحة أولى وأخيرة تمثلت في زواج شقيقة سيف الكبرى " عواطف " التي كانت ولا تزال إلى الأبد الأحب والأغلى من أهله .. بعد أمه وأبيه اللذين لم يعيشا طويلاً في المنزل الجديد .
واكتشف سيفٌ في ما بعد أن حتى ما كان يحسبها " فرحة " بزواج أخته، لم تكن إلا عنواناً لفراق وحرمان من شقيقته التي غادرت مع زوجها إلى الرياض .
٭٭٭
لا يزال العام 1400ه في منتصفه، حين كان لابد لسيف من أن ينتقل من مدرسة " خالد بن الوليد " المتوسطة، إلى متوسطة " بلال بن رباح "..لأن الأولى ستزال تماماً كبقية أشياء الحي .
ذهب سيفٌ في أحد صباحات العام 1400ه، ليستلم ملفه الدراسي من متوسطة خالد بن الوليد لينقله إلى متوسطة بلال بن رباح .. وفي طريقه بين المدرستين، وهو على دراجته النارية التي تسابق الريح كان يمسك مقود الدراجة النارية بيده اليمنى، ويمسك الملف الدراسي باليد اليسرى .. وبكل ما أوتي من قوة، حتى لا يطير الملف من شدة الهواء .. وكانت في حلقه غصة جارحة، إذ لم يكن يتصور أبداً أنه سيغادر المدرسة التي طالما حلم بدخولها .. سيغادرها قبل أن يشبع منها .. سيغادر تماماً ونهائياً تلك المدرسة التي كانت منتهى طموحه طيلة سنين دراسته الابتدائي .. سيغارد أمنيته القديمة بسرعة قاسية .
وهكذا كانت قسوة سيف على دراجته النارية، في ذلك المشوار المصيري، فكان يقود الدراجة النارية على سرعة 120 كم في الساعة، وهو يأخذ الطريق الملتوي من " ريع بخش " حيث صخرة " المسخوطة " التي يعرف أهل مكة ان دوارها من اخطر الطرقات .
تجاوز سيف كل ذلك " ببراعة انتحارية " حتى وصل الى الدوار المقابل لمتوسطة بلال بن رباح .
هي ذي شاحنة ضخمة تظهر في وجه سيف يميل عنها - وهو المحترف في قيادة الدراجة النارية - بحركة بهلوانية ولكن الهواء العاصف يدفع الملف الدراسي من يد سيف الى وجهه ليغطي عينيه .
تفادى سيف تلك الشاحنة، وخلفها شاحنة اخرى، ولكن الاخرى لامست طرف مؤخرة الدراجة المسرعة التي راحت تطير في الهواء ثم تتقلب .. فمرة سيف فوقها ومرات هي فوقه الى ان دفعهما التقليب الى السكة الأخرى حيث سيارة " وانيت " محملة بأسياخ الحديد، فانغرس سيخ في لحمة ساق سيف انغرس سيخ آخر في فخذه وكاد سيخ ثالث ان يفقأ عينه لولا لطف الله فكانت شجة في رأسه .
صوت الحادثة كان عظيما، فهرع مدرسو المتوسطة " المشؤومة " الى موقع الحادث فما ان رآهم سيف - وكان قد رآهم في زيارته السابقة لأخذ موافقتهم على نقله - حتى صار يناديهم ليقدم لهم ملفه الدراسي الذي اصطبغ بولنين لا ثالث لهما : سواد الأسفلت، واحمرار دم سيف .
اخذ احد المدرسين الملف من يد سيف مع دهشته بتمسك الفتى بملفه رغم هذا الحادث المهول !
وحاول آخرون ان يحملوا سيفاً، ولكن الأسياخ الحديدية كانت مغروسة في اجزاء من جسده الضئيل " خصوصاً الجانب الأيسر " فتحرك سيف " مفرفراً " من شدة الألم، حتى انتزع جسده من تلك الاسياخ، فبادر احد فاعلي الخير بأخذه في سيارته المستشفى . قليلاًالى
وهناك، حيث لا يدري سيف في أي مستشفى هو ضمد الأطباء ما استطاعوا من جراحه وأغلقوا ما استطاعوا من الفوهات التي فتحتها الأسياخ في جسده النحيل، وصار سيف يتماثل للشفاء
حين بدأ سيف يشعر بنفسه ويستطيع التحرك، كان الكثير من الأطباء والزائرين يأتون اليه قائلين : سمعنا عن حادثتك ونريد ان نعرف كيف استطعت انتزاع الاسياخ من جسدك؟ هل كنت تقول " الله اكبر " ؟ !
كان سيف بمفرده في المستشفى لم يخبر احداً من اهله، مضى على بقائه في المستشفى اكثر من يومين كان هو والأطباء يحمدون الله ان الاسياخ لامست العظم ملامسة طفيفة، ولم تحدث أي كسر ولله الحمد .
كان سيف يبكي من شدة الفرح فأكثر ما كان يخشاه ان يتكرر ما حدث حين كسرت يده اليسرى، وتتكرر معاناة امه الحبيبة معه .
لم يكمل سيف اليوم الثالث، حتى قام عن السرير الأبيض، وانتزع المصل من يده، هرب من المستشفى عائداً الى البيت .
ذلك البيت " المشؤوم " الذي لم يترك أحداً على حاله .
أن كان سيف يتصور ان البيت كله أحداًفبعد - خصوصاً أمه - في فزع وخوف عليه وبحث مستميت عنه " كما كان يوم ضياعه في عرفات " ،
ها هو يدخل البيت بجراحه فلا يجد
وبعد سؤال المارة والحجارة والحيطان، تبين له ان اهله كلهم يتواجدون هناك في المستشفى نفسه الذي هرب منه يتواجدون ودموعهم على خدودهم ملتفين حول الأم العظيمة " خديجة " وهي ترقد على سرير المرض والموت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.