عبدالله صقر مركز المعلومات.. اهتم الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود ( تغمده الله بواسع رحمته ) مع بداية إدارته لشؤون البلاد ، بالبحث عن موارد استثمارية تدعم بناء الاقتصاد الوطني وتسهم في تنميته، فتم بفضل الله تعالى اكتشاف الثروات الطبيعية التي اختزنتها أراضي المملكة العربية السعودية على مدى قرون من الزمن ومنها «النفط»، ليبدأ مع هذه المرحلة فجر جديد تمخض عنه أكبر مشروع للتنقيب عن الزيت في المملكة آنذاك ، وبإشراف شخصي من الملك المؤسس «رحمه الله»، حتى وصلت المملكة إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم وازدهار في كافة المجالات. ففي عام 1352ه الموافق 1933م، وقعت المملكة مع شركة (ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا - سوكال) اتفاقية التنقيب عن الزيت في المنطقة الشرقية، وكان الملك عبدالعزيز على صلة مستمرة بالمسؤولين في الشركة للإطلاع على إنجازاتها في العمل أولاً بأول ، تبعها اتفاقية إلحاقية في 12 ربيع الأخر 1358ه الموافق 31 مايو 1939م تتضمن توسيع المنطقة الممنوحة للشركة ومنحها امتياز التنقيب على الزيت فيها، ثم اتفاقية أخرى في 20 ربيع الأول 1370ه الموافق 30 ديسمبر 1950م تتعلق بخضوع الشركة للضرائب الحكومية. ولم تقتصر متابعة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - لمشروع التنقيب عن الزيت على النواحي التنظيمية والقانونية ، وإنما امتدت لتشمل مقابلة المسؤولين في شركة الزيت العربية الأمريكية بشكل متواصل، والقيام بالزيارات الميدانية لمنشآت الشركة , حيث استقبل الملك عبد العزيز في عام 1355ه الموافق 1936م أثناء زيارته لمدينة الهفوف كلاً من فريد دافيس رئيس مجلس إدارة شركة الزيت العربية الأمريكية وفيلكس دريفوس، وتحدث معهما طويلاً حول تطور أعمال الشركة ونتائج التنقيب ، وأبدى لهما سروره بتقدم العمل بالشركة ، وأعلن عن رغبته في زيارة المنشآت النفطية وتفقد العمل بها. وفي عام 1357ه الموافق 1938م وصل ويليام لينهان، محامي الشركة إلى الرياض لينقل إلى الملك عبد العزيز خبر العثور على الزيت وبكميات تجارية كبيرة من خلال بئر الدمام رقم واحد ، التي أصبحت أول بئر منتجة للزيت بالمملكة في 11 محرم 1357ه الموافق 12 مارس 1938م، وأعقب هذا التطور المهم زيارة الملك عبد العزيز لمنشآت شركة الزيت العربية الأمريكية في المنطقة الشرقية . أما في 8 ربيع الأول 1358ه الموافق 28 إبريل 1939م فقد بدأ الملك عبدالعزيز زيارته الرسمية الأولى للشركة ومنشآتها عن طريق البر حيث وصل إلى المنطقة في أول شهر مايو وذلك في موكب كبير، تفقد خلالها مباني الشركة في الظهران ورأس تنورة، وافتتح مجرى انتقال الزيت إلى أول باخرة شحنت الزيت السعودي إلى الخارج، كما زار - رحمه الله - القطيفوالدمام والخبر وأبو حدرية وجبل القرين . وأسهمت زيارة الملك عبد العزيز للشركة في دعم أعمالها خصوصاً في المرحلة التي تلت اكتشاف الزيت بكميات تجارية في المنطقة الشرقية , لتواصل الشركة تقدمها في أعمال التنقيب عن الزيت على الرغم من ظروف الحرب العالمية الثانية وما أدت إليه من تعطيل للعمل في المنطقة، إلى أن حل عام 1366ه الموافق 1947م حيث قام الملك عبد العزيز بزيارة لشركة الزيت العربية الأمريكية، واطلع على أوضاعها وذلك بعد مرور حوالي ثماني سنوات على زيارته السابقة لها . واختلفت هذه الزيارة عن الأولى نتيجة لتطور أعمال شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) وتحقيقها نتائج كبيرة في مجال التنقيب عن الزيت، وتصديره تجارياً من جهة، وتطور البلاد بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود الملك عبدالعزيز البارزة في بنائها وتطويرها حضارياً , من جهة أخرى ، وتميزت هذه الزيارة عن الزيارة الأولى أيضا بما حظيت به من توثيق تفصيلي لأحداثها ونتائجها من خلال التقرير الذي أعد خصيصاً لتلك المناسبة. وأعدت لجنة المؤرخين المكلفة بمهمة توثيق الزيارة تقريرا حول الزيارة، تضمنً معلومات كثيرة ليس عن زيارة الملك عبد العزيز إلى المنطقة الشرقية فحسب بل عن شخصيته - رحمه الله - ومواقفه الإنسانية وحكمته وحنكته السياسية. ومن أبرز ما ورد في التقرير أن شركة الزيت العربية الأمريكية اهتمت بزيارة الملك عبدالعزيز، كثيراً انطلاقاً من مكانة جلالته، حيث قامت الشركة بالتحضير لهذه الزيارة مدة طويلة تجاوزت العام، وكونت لهذه الزيارة عدة لجان تولت الإشراف على الإعداد والترتيب للزيارة . وأوضح التقرير أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - أبدى تفاعلاً كبيراً مع عناصر برنامج الزيارة بشكل أكثر مما توقعه المنظمون، حيث حضر حفل الاستقبال، وقرر عدم المغادرة نظراً لاستمتاعه بمشاركة الأطفال الذين جاؤوا للسلام عليه رحمه الله، كما حضر مباراة كرة القدم بين فريقين من موظفي الشركة وكانت هذه المباراة على حد قول معالي وزير المالية الأسبق عبدالله السليمان - رحمه الله - ( أول مباراة يحضرها الملك عبدالعزيز كضيف شرف ) . وتضمّن التقرير الإجابات التي قدمها الملك عبد العزيز للصحافيين الزائرين الذين جاؤوا لتغطية الزيارة، وجاءت تلك الإجابات معبرة عن الرؤية السياسية الواضحة له - رحمه الله - التي ترتكز على المبادئ الإسلامية العربية الراسخة التي سارت عليها المملكة منذ إنشائها. فقد أوضح الملك عبد العزيز، في إجاباته للصحفيين حرصه على تنمية البلاد وتطويرها من خلال الاستفادة من عائدات امتياز استخراج الزيت، وقال - رحمه الله - : إن الحكومة السعودية قررت تنفيذ العديد من المشروعات الإنشائية في مجالات : الصحة ، والزراعة، والاتصالات ، وخطوط السكة الحديد . ولم ينس الملك عبد العزيز القضية الفلسطينية في هذا اللقاء الصحفي، حيث أكد على أن قضية فلسطين قضية العرب ككل وأنه يسعى للاحتفاظ بهذا الجزء المهم من العالم العربي للعرب . وظهر خلال الزيارة عدد من المواقف التي تعبر عن العديد من صفات الملك عبد العزيز المعروفة عنه مثل : التواضع ، والكرم ، والحكمة ، والسخاء، فيما عبر المسؤولون في الشركة عن إعجابهم بتفاعل الملك عبدالعزيز مع الزيارة ومواقفه الإنسانية النبيلة تجاه المضيفين والمشاركين، كما عبر ديفيد دونكان المصور الخاص لمجلة لايف عن رأيه في الملك عبدالعزيز قائلاً : ( إنه قام خلال عمله في مجلة لايف بالتقاط صور مختلفة للعديد من الرجال الكبار لكنه لم يلتقط لرجل رفيع المقام كريم وسخي مثل الملك عبدالعزيز ) . مضى أكثر من 71 عام على تاريخ أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة للخارج على متن ناقلة نفطية ، معلناً في تلك اللحظة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - عندما أدار بيده صمام التعبئة بداية عهد مشرق للمملكة العربية السعودية بفضل من الله عز وجل ،ثم بفضل عزيمة الرجال .وتعود بداية القصة إلى الرابع من صفر من العام 1352 ه ، الموافق 29 مايو 1933 حينما وقع الملك عبد العزيز اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا ( سوكال ) بعد أن أنعش اكتشاف النفط في البحرين المجاورة الآمال بوجود مخزون من الذهب الأسود في الأراضي السعودية، وأعقب التوقيع توافد الجيولوجيون الأوائل في 23 سبتمبر 1933 والنزول عند (قرية) الجبيل الساحلية التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال مدينة الدمام. وما أن التقطوا أنفاسهم حتى امتطوا الإبل واستقلو السيارات ليلقوا نظرة على (جبل البري) الذي يقع على بعد 11 كيلومترا جنوبالجبيل بعدها بأسبوع قاموا بالتوغل جنوباً وإجراء فحص جيولوجي لتلال جبل الظهران لتتواصل بعدها عمليات الفحص والبحث والتنقيب التي لم تحقق أي نجاح ذي قيمة لمدة سنتين. وفي 30 أبريل 1935 تقرر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم ( 1 ) وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس ، أنتجت البئر دفعة قوية من الغاز وبعض بشائر الزيت وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة سبعمائة متر ، ولكن أجبر عطل في المعدات طاقم الحفر على إيقاف تدفق البئر وتم سده بالإسمنت ، وكانت بئر الدمام رقم ( 2 ) أفضل حالاً. وبدأ العمل في حفرها في الوقت الذي أغلقت فيه البئر الأولى أي في 8 فبراير 1936 ، وما أن جاء يوم الحادي عشر من مايو من نفس العام حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 متراً ، وحينما اختبرت البئر في شهر يونيو 1936، تدفق الزيت منها بمعدل 335 برميلاً في اليوم ، وبعد انقضاء أسبوع على ذلك الاختبار ، وإثر المعالجة بالحامض ، بلغ إنتاج الزيت المتدفق من البئر 3840 برميلاً يوميا. شجع ذلك على حفر آبار الدمام 3 و4 و5 و 6 ، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية أو التعرف على حجم الحقل المكتشف. عقب ذلك صدر قرار في شهر يوليو بإعداد بئر الدمام رقم ( 7 ) لتكون بئر اختبار عميقة، وكانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد ، وأصبح موقع العمل غير قادر على استيعاب الزيادة في عدد العاملين. ومع نهاية عام 1936، ارتفع عدد العاملين من السعوديين إلى 1076 عاملا بالإضافة إلى 62 عاملاً من غير السعوديين ، وكان يفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي ، لكن أخفقت بئر الدمام رقم ( 1 ) بعد أن جرى حفرها إلى عمق يزيد على 975 متراً ، أما بئر الدمام رقم ( 2 ) فقد تبين أنها « رطبة » بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس ، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار ثماني أو تسع مرات على حجم إنتاجها من الزيت، ولم يزد إنتاج بئر الدمام ( 3 ) على 100 برميل من النفط الثقيل يوميا ، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15 بالمائة، وبالنسبة لبئري الدمام رقمي ( 4 ) و ( 5 ) فقد اتضح أنهما جافتان ، أي غير قادرتين على إنتاج أي سوائل، وكذلك كان الحال مع البئر رقم ( 6 ). وفي السابع من ديسمبر 1936 بدأ اختصاصي في حفر الآبار، بحفر بئر الاختبار العميقة رقم ( 7 )، فحدث تأخير في عملية الحفر، بسبب حدوث بعض المعوقات، حيث انحشر أنبوب الحفر، وانكسر جنزير الرحى، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة، كما حدث انهيار لجدران البئر، ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي الذي يعمل بقوة البخار إلى طبقة البحرين الجيولوجية فقد ظلت النتيجة واحدة بأنه : لا يوجد نفط !. بعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر 1937، وعند عمق 1097 مترا شاهد الحفارون البشارة الأولى 5.7 لترات من الزيت في طين الحفر المخفف العائد من البئر، مع بعض الغاز، وفي آخر يوم في عام 1937 ، حدث أن أخفقت معدات التحكم في السيطرة على البئر، وثارت البئر قاذفة بما فيها من السوائل والغازات، ولكن بعد الحفر إلى عمق 1382 متراً لم يجد فريق الحفر كمية تذكر من الزيت. وسرعان ما تغيرت الأحوال، ففي الأسبوع الأول من مارس 1938، حققت بئر الدمام رقم ( 7 ) الأمل المرجو ، وكان ذلك عند مسافة 1440 متراً تحت سطح الأرض ، أي بزيادة تقل عن 60 متراً عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقعون وجود النفط عنده ، فقد أنتجت في الرابع من مارس 1938، 1585 برميلا في اليوم ، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلا في السابع من مارس، وسجل إنتاج البئر 2130 برميلا بعد ذلك بتسعة أيام ، ثم 3732 برميلا بعد خمسة أيام أخرى ، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة. وواصلت البئر عطاءها على هذا المنوال مما أكد نجاحها كبئر منتجة، وفي ذلك الوقت ، كان قد تم تعميق بئري الدمام رقم ( 2 ) ورقم ( 4 ) حتى مستوى المنطقة الجيولوجية العربية، ولم تخيب هاتان البئران آمال الباحثين عن النفط ، فقد أعطتا نتائج طيبة، وعم الفرح والسرور أرجاء مخيم العمل في الدمام. وتتويجاً لعصر جديد ، ذهب الملك عبد العزيز في ربيع 1939، يصحبه وفد كبير إلى الظهران، مجتازاً صحراء الدهناء ذات الرمال الحمراء حتى وصل إلى مخيم الشركة، ليجد مدينة من الخيام في مكان الحفل ، قوامها 350 خيمة لتكون مركزا للاحتفالات التي تضمنت زيارة الآبار، واستقبال وفود المهنئين ، والقيام بجولات بحرية في الخليج العربي. وتزامن توقيت زيارة الملك عبدالعزيز مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنوره، بطول 69 كيلومتراً ، حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها بأول شحنة من النفط السعودي، لتبدأ معها أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة نفطية في 11 ربيع الأول 1358ه الموافق الأول من مايو1939.