من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا يوجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطولة العمر. ذات يوم غير بعيد عن ذاكرتي ان وصفته قائلا بكثير من الصدق والوضوح ما يلي: ** كان رجلاً أنيقاً مهيباً بقامته الفارعة وحمرة بشرته الناصعة بتلك اللحية الكثة المهذبة البيضاء وبوجهه الدائري الذي ينم عن تاريخ طويل من الوجاهة والنعيم تراه وهو يخطو خارجاً من منزلة الكبير الذي يقع على ركن شارع "باب السد" في المدينةالمنورة والموصل لمبنى البلدية القديم في طريقه الى سوق العياشة كما كنا نطلق عليه وخلفه أحد خدمه وهو في عباءته البيضاء التي يفوح منها ذلك الأريج الأخاذ "عرف العود" اذا ما هبَّ قليل هواء كان رجلاً تحسبه آتياً من سلاطين الزمان القديم بذلك الشموخ وبتلك الهالة التي يتسم بها. كان رجلاً رغم كل هذا يتمتع بروح غاية في "الفكاهة" التي لا تخدش وقاره. ولا تذهب بقوة شخصيته. تلك الشخصية الطاغية على من يتعامل معها فهو قادر على ان يحصل على ما يريده منك وبكل طيبة. بل تسعى أنت إلى ذلك. انها "الكاريزما" التي كان يتمتع بها ذلك الرجل الكبير رأيته في اواخر عمره رحمه الله فكون في داخلي صورة الرجل الذي له صفات القوة والشموخ. لا اريد ان أتعرض هنا لحكايات غاية في الجمال والبراءة والطرافة عنه سمعتها ممن عاصروه وان كان لهذا مكان آخر إن شاء الله لكنني أريد أن أذكره هنا كواحد من وجهاء المدينةالمنورة وما كانت تربطه من علاقات حميمة مع ملوك بلادنا حيث كان الملك سعود رحمه الله عندما يزور المدينةالمنورة يأتيه زائراً في بيته. ذلك البيت الواقع على رأس شارع السد ومدخل الشونه من الناحية الغربية ومدخله من سوق الصباغة إن لم تخني الذاكرة.. وكان أن رأيته في بستان "المرجانية" في تلك الظهيرة الجميلة، وكان محل تقدير من كان موجوداً في ذلك الديوان وأمامه بركة الماء على تلك المائدة العامرة الذي كان ضيفها.. هذه المكانة له تحتم ان يطلق اسمه على احد شوارع المدينةالمنورة كرمز وفاء لمثل هذه الشخصيات التي تمتلئ بها هذه المدينة الطيبة انني أعني بهذه الشخصية الشريف شاهين بن حسين الشقدمي رحمه الله فهو واحد من الرجال الذين لهم وهجهم بل وسطوتهم. فهو عميد اسرة اشراف الشقادمة بالمدينةالمنورة التي كانت في يوم من الايام لها حضورها المسؤول الذي لا ينكره منصف: كان رحمه الله على كثير من – المرح – الموزون الذي لا يخدش كبريائه ولا يصرف المعنى فيه الى مناح أخرى. انه واحد من اولئك المحتفظين بقيمتهم التي لا تنسى. في ذلك الزمان كان لكل اسرة – راعٍ – له مكانته في حركة الأسرة حوله يلتفون ولكلامه سامعون ولتعليماته منفذون، كان ذلك – الراعي – الذي له سطوته ففي كل مشاكل كل فرد فيها له رأي وله موقف فلا يمكن لصاحب المشكلة اتخاذ أي ردة فعل قبل أن يسترشد برأي كبير العيلة – ففي ذلك البيت الكبير يلتقون في كل مناسبة فلا يمكن أن تمر مناسبة سعيدة أو حتى غير سعيدة "بعيداً" عن البيت الكبير.. ألم يقولوا "من ليس له كبير يطيح في البير" أي ليس لديه مرشد يملك الخبرة والدراية والدربة على معالجة كل الأمور. كان هو من ذلك الصنف الذي غاب عن حياتنا الاجتماعية والاسرية. رحمه الله رحمة واسعة.