** من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا توجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطول العمر. ** كان فنان "كلمة" أنيفاً في شروحاته على اية معاملة تمر عليه.. تسكنه الكلمة الشاعرة المجنحة.. يملك من خصائص الثقافة ما يجعله عندما يتحدث عن التاريخ فهو مقنع، وعندما يتحدث عن الشعر تأخذه العبارة الفارهة الى مجالات من الاحساس المرهف.كان لا يتوقف عند صغائر الأمور أو عند منعطفات الطرق.. صريحاً في مخاطبته للآخر، تصل صراحته الى حد القسوة. كان كريماً على قلة – ما لديه – قياساً بالآخرين.. كريم النفس, وكريم اليد، لا أذكر أن رأيته يرد طالباً أبداً، كان قنوعاً الى حد "الزهد". ** كان رجلاً إنساناً رجلاً لم تأخذه شهوة السلطة لينسى إنسانيته.. كان ناصع القلب لا يعرف الحقد أو الكره إليه سبيلاً صحيح كان غضوباً، لكنه سرعان ما كان متسامحاً ممن غضب عليه، بل يذهب الى إرضائه بعيداً في اكرامه. ذات يوم كان ذلك في إحد عصاري رمضان تلك العصاري الجميلة، وكان يحلو له أحياناً أن يطوف بين بساتين المدينةالمنورة، تلك البساتين التي كانت تحيط بالبلدة الطاهرة.. عندما هيأت الصدفة لي أن أكون خلفه في تلك اللحظة، وهو يقود سيارته لوحده، لم يكن يضع "عقاله" على رأسه عندما اتت امرأة من البستان المقابل لبستان "سواله" في قربان، وعلى رأسها حزمة كبيرة من "البرسيم" لتكون أمامه، وفجأه توقفت سيارته البيضاء من موديل "الروزرايز" لتقع حزمة "البرسيم" على الأرض ليهبط منها، وفي وداعة راح يلملم ما تناثر من البرسيم على الأزفلت، ويحزمه ويضعه على رأسها، والمرأة لا تعرف من هو. فراحت تدعو له، وهي تقول: سامحني لقد قطعت الطريق دون أن أعرف. عندها عندما رآني قال لا حول ولا قوة إلا بالله هو أنت؟ وبصرامة أعرفها في ألفاظه: اياك ان تنشر ما رأيت. وقد التزمت بذلك طويلاً.. لكن المشهد لم يغب عن ذاكرتي. هذه واحدة من مواقفه العديدة ذات اللمحة الإنسانية. كان بعيداً عن "اللهاث" خلف المادة أو البحث عنها، وتلك قصص كثيرة تحكى في هذا المجال عنه، وأذكر في أواخر عام 1399ه ان كان في ينبع، وكان يشرف على الاحتفال الذي يقام لافتتاح مدينة ينبع الصناعية بحضور الملك خالد بن عبدالعزيز عندما أصر سموه على أن يتحقق من كل تفاصيل الحفل، ولكن باسلوب غاية في السلاسة دون ازعاج للآخرين. لقد كان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز الذي تشرف بامارة منطقة المدينةالمنورة من شعبان عام 1385ه حتى عام 1405ه رجلاً كريماً لا خصومات له مع أحد. رحمه الله واسكنه فسيح جناته.