أكد معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي أن المملكة العربية السعودية ملتزمة بأداء دورها في الحد من التغيّرات المناخية ودعم البحث والتطور التقني ، كما قامت وتقوم بتنفيذ عدد من المبادرات لدعم جهود البحث والتطوير المتعلقة بالطاقة والبيئة . وأشار معاليه خلال كلمته في المؤتمر الرفيع المستوى بشأن التغيّر المناخي الذي افتتح في العاصمة الصينية بكين اليوم ، إلى أن المملكة تؤكد ضرورة وجود هيئة مؤسسية جديدة في إطار مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن تغيّر المناخ لمعالجة جميع القضايا ذات الصلة بأبحاث التقنية وتطويرها ونقلها ونشرها وكذلك بناء القدرات . وفيما يلي نص كلمة معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي . أصحاب المعالي والسعادة، الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أبدأ حديثي بتوجيه الشكر إلى حكومة جمهورية الصين الشعبية، والأممالمتحدة، على دعوتهم لي للحديث في هذا المؤتمر المهم، وأود أن أعرب عن امتناننا لحفاوة الاستقبال . ترحب المملكة العربية السعودية بهذا المؤتمر الذي ينعقد في الوقت المناسب ويتطرق إلى موضوع مهم وهو تطوير ونقل التقنية وغيرها من القضايا المرتبطة بمعالجة التغيّرات المناخية المحتملة والتكيّف معها، وتتطلع إلى تحقيق النتائج المرجوة . إننا نجتمع في وقت حاسم في محاولة منا لإيجاد خيارات متعددة تعالج على نحو أمثل ومتزامن تحديات التغيّر المناخي والإمدادات الكافية من الطاقة والتنمية الاقتصادية المستدامة، ونعتقد جازمين أن التقنية كأحد أهم الخيارات سوف تكون عاملا رئيسا في مساعدتنا على مواجهة هذه التحديات . إننا حين ننظر إلى التاريخ نجد أن التقنية لعبت دوراً محورياً في النهوض بأحوال البشرية عبر القرون . فلقد جاءت لنا بالقطارات والسيارات والطائرات والكمبيوتر والإنترنت وقلَّصت المسافات بين البلدان والحضارات . وفي مجال البيئة نفسها، ساعدت التقنية في الحد من انبعاثات العادم في السيارات الحديثة بأكثر من ٪ 90 منذ اختراع السيارة . ونشعر كذلك أن التقنية يجب أن تتبوأ مكانها الصحيح في توفير الحلول القيمة لتحديات التغيُّر المناخي . ففي اعتقادي أن العالم، فيما يتعلق بالتقنيات التي تهدف إلى التخفيف من آثار التغيّرات المناخية، لم يمس إلا القشور، وأن البحث والتطوير والابتكار في هذا المجال بحاجة إلى اهتمام أكبر بكثير مما هو عليه الحال الآن، ويشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر، تعزيز كفاءة الطاقة بدرجة كبيرة في الكثير من التطبيقات، وأنواع مستقبلية أنظف من الوقود التقليدي وغير التقليدي، والعديد من طرق فصل وتخزين الكربون، إلى جانب العديد من التقنيات الدقيقة التي لم تظهر في الأفق حتى اليوم . الحضور الكرام ،،، لقد حددت الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة سبل التعاون الدولي في تطوير التقنية ونقلها بوصفها عناصر مهمة تسهم في الحد بدرجة كبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع التغير المناخي وما يتصل به من آثار ضارة . وفي الآونة الأخيرة، اعترفت خطة عمل بالي التي تم الاتفاق عليها في العام الماضي في المؤتمر الثالث عشر للأطراف، بالتقنية كإحدى اللبنات الأربع الرئيسة لاتفاقية تعاونية طويلة الأجل يتم تبنيها في كوبنهاجن بنهاية السنة القادمة . وأود أن أؤكد على الحاجة إلى إقرار المبادئ التي وضعتها اتفاقية الأممالمتحدة حول التغير المناخي، لاسيما مبدأ المسئوليات المشتركة والمتباينة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية . ونصت الاتفاقية على أن المدى الذي تذهب إليه الدول النامية في تنفيذ التزاماتها بفعالية بموجب الاتفاقية سوف يعتمد على التنفيذ الفعَّال لمثل هذه الالتزامات من قبل الدول المتقدمة بموجب الاتفاقية والمرتبطة بالموارد المالية ونقل التقنية . إننا نشعر بالقلق إزاء عدم إحراز تقدم عملي على صعيد نقل التقنية من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، برغم وجود عدد من الدراسات التي حددت العوائق التي تحول دون نقل هذه التقنية . وتشمل هذه العوائق إمكانيات تمويل التقنية، وهو تمويل محدود في الوقت الراهن، كما يشمل أيضا قضايا بناء القدرات، ونقل المعرفة والخبرة، إلى جانب تهيئة الظروف المواتية بوجه عام . ومن المؤكد أن هناك عوائق أخرى مثل حقوق الملكية الفكرية وغيرها، ولكني لا أرى سببا لعجزنا عن التغلب عليها بالإرادة السياسية الكافية . وتود المملكة العربية السعودية أن تؤكد على ضرورة وجود هيئة مؤسسية جديدة في إطار مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن تغيّر المناخ لمعالجة جميع القضايا ذات الصلة بأبحاث التقنية وتطويرها ونقلها ونشرها وكذلك بناء القدرات . ولقد اقترحت مجموعة السبعة والسبعين والصين في وقت سابق إنشاء هيئة تنفيذية للتقنية، وترى المملكة العربية السعودية أن هذا الاقتراح يستحق الدراسة الجادة والمتابعة العاجلة . الحضور الكرام ،،، أود الآن أن أتحدث بإيجاز عن موضوع إمدادات الطاقة التي تسهم في نمو الاقتصاد العالمي، جنبا إلى جنب بالطبع مع المسألة المهمة المتمثلة في الاحتباس الحراري . وهناك نقطتان رئيستان جديرتان بأن تؤخذا في الاعتبار في هذا الصدد : أولا، بالنظر إلى المدى البعيد، نجد أن الطلب على الطاقة ينمو على نحو مطرد في أجزاء مختلفة من العالم، وثانيا، للمساعدة في تلبية هذا الطلب المتصاعد، تمثل أنواع الوقود الأحفوري المصدر الرئيس للطاقة وهو متاح بوفرة في جميع أنحاء العالم . والواقع أن معظم التوقعات تشير إلى أن الوقود الأحفوري سيظل يسد الجزء الأكبر من احتياجات العالم من الطاقة في المستقبل المنظور . وفي الوقت نفسه، هناك مجموعة من المسائل التقنية والاقتصادية تحول دون إسهام بدائل الطاقة بدرجة كبيرة في حافظة الطاقة العالمية، ولا يتوقع حل هذه المسائل في المدى القصير أو المتوسط . لذا فإن من الواضح أن أكثر إستراتيجية عملية لحماية البيئة بشكل أفضل تتمثل في التركيز على الاستخدام الأنظف والأكفأ لأنواع الوقود الأحفوري الذي سنواصل الاعتماد عليه مع تطوير بدائل لهذا الوقود بشكل متزامن . وعليه، فإن الدعوة للابتعاد عن الوقود الأحفوري كوسيلة لمعالجة التغيّر المناخي المحتمل لا تمثل حلا عمليا لمسألة الاحتباس الحراري . إننا نعتقد بأن مجموعة واسعة من التقنيات الحالية والمستقبلية كفيلة بضمان استمرار الوقود الأحفوري في تلبية الاحتياجات المجتمعية للتنمية المستدامة والقيام بذلك بطريقة أنظف . ومن أمثلة هذه التقنيات المتاحة بالفعل المحركات التقليدية الأكثر كفاءة وتقنيات الفحم النظيف وتقنية فصل الكربون وتخزينه . ومن شأن ذلك أن يسهم في حماية المناخ العالمي في الوقت الذي يقلص العبء على الاقتصاد العالمي، وأيضاً على الدول التي تعتمد بشدة على تصدير الوقود الأحفوري، وكذلك على الدول التي تستخدم الوقود الأحفوري . وأعتقد أن من الضروري لتعزيز الاستخدام العالمي لبدائل تقنية متقدمة مختلفة، لا سيما في إطار آلية التنمية النظيفة، هو إظهار جديتنا في معالجة التغيّر المناخي . وفي الوقت نفسه، فإن جعل مجموعة البدائل التقنية المخفّفة جزءاً من آلية التنمية النظيفة من شأنه إعطاء مزيد من الزخم لتنميتها . إلى هنا، أكون قد أشرت إلى جوانب تقنية للتغير المناخي التي هي محور تركيز هذا المؤتمر وهي : البحث والتطوير والابتكار في التقنيات، ونقل التقنية والعوائق أمام نقل التقنية، واستخدامها بشكل عملي . وهناك جانب آخر لا يقل أهمية هو التعاون الدولي في هذه المجالات على المستوى السياسي والعملي . وفي هذا الصدد، فإن التعاون في مجال البحث والتطوير الذي يشمل الدول النامية ، من شأنه أن يساعد على بناء القدرات التقنية . وهذا بدوره يعزّز التوسّع في استخدام تقنيات الغازات الدفيئة في الدول النامية إلى جانب المساعدة بشكل عام في التنمية الاقتصادية لهذه الدول . وتلتزم المملكة العربية السعودية بأداء دورها في الحد من التغيّرات المناخية ودعم البحث والتطور التقني، كما نقوم بتنفيذ عدد من المبادرات التي أود أن أسترعي انتباهكم لها وهي :- في قمة أوبك التي عقدت في الرياض العام الماضي، وجّه خادم الحرمين الشريفين بتقديم 300 مليون دولار لدعم جهود البحث والتطوير المتعلقة بالطاقة والبيئة . وأعقب ذلك تأسيسه، يحفظه الله، " مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية " كأحد المؤسسات البحثية العالمية البارزة في مجال الطاقة والبيئة . وسوف يركز هذا المركز على التطورات الحالية وتوقع التغيّرات المستقبلية في مجال الطاقة، والمجالات البيئية ذات الصلة، وتعزيز النهوض بالتقنيات البيئية سواء في المملكة أو على نطاق أوسع في أنحاء العالم . وفي حين أن موضوع نقل التقنية المتقدمة من الأمور التي لا نمل التأكيد عليها، فإننا نعمل أيضا بفعالية على عدد من المشاريع، سواء بأنفسنا أو بالتعاون مع الغير لدفع تطوير تقنيات إدارة الكربون . وتشارك شركة الزيت الوطنية لدينا، أرامكو السعودية، في البحث وفي صيغ الاختبار للوقود المستقبلي الذي سيساعد في تلبية احتياجات التصاميم المتقدمة لمحركات الاحتراق الداخلي التي تؤدي إلى وجود سيارات أنظف وأكثر كفاءة في المستقبل . كما أن لدينا مشروعا رائدا قيد التخطيط لتجربة استخدام ثاني أكسيد الكربون في الاستخلاص المعزز للنفط مع احتمال تطبيقه في حقول البترول لدينا . ومع أن هذه الحقول لا تزال في مراحل إنتاجها الأولية، ولا تحتاج إلى استخدام تقنيات الاستخلاص المعزز، ورغم أنه لا يمكننا تبرير تكلفة هذه التقنيات على أسس اقتصادية، إلا أننا نعتزم القيام بتنفيذ التجربة والأبحاث المرتبطة بها للمساعدة في دفع الجهود العالمية الرامية إلى احتجاز وفصل الكربون . ولا تقف جهودنا من أجل بيئة نظيفة عند هذا فحسب، بل لدينا ميزة تنافسية فريدة تتعلق بهذه الآفاق الصحراوية الشاسعة والكثير من الشمس الساطعة، وهي ظروف مثالية لتطوير الطاقة الشمسية في المملكة . وتولي مؤسسات البحث الأكاديمية في المملكة اهتماما خاصا لهذا المورد النظيف من موارد الطاقة لاستخدامه مستقبليا في المملكة، وحتى في إمكانية استغلاله تصديريا على المدى البعيد . والمملكة العربية السعودية تعمل حالياً على إنشاء وتطوير مؤسسة بحثية رائدة عالمية المستوى على الساحل الغربي للمملكة، ألا وهي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حيث يجري تأسيس وتطوير هذه المؤسسة الجديدة بهدف تعزيز المنجزات الفكرية، وتوليد الثروة عبر الابتكار . وسوف تكون البحوث المتعلقة بالطاقة الشمسية جزءاً رئيسا في الحافظة البحثية للجامعة . وبالإضافة إلى ذلك، سوف نتعاون مع مراكز ومؤسسات بحثية رائدة في مجال الأبحاث السياسية والبيئية والتقنية في أنحاء العالم بهدف تعزيز الاستخدام المسئول بيئيا للموارد الهيدروكربونية، والمساهمة في الجهود العالمية لحماية البيئة . كما أن المملكة العربية السعودية عضو نشط في منتدى قيادة عملية فصل وتخزين الكربون . وقد قمنا مطلع هذا العام بعقد ورشة عمل حول إدارة الكربون تحت مظلة المنتدى، حضرها عدد كبير من الأعضاء، وتم فيها مناقشات متعمقة للغاية . وأخيراً، فسوف يكون من التقصير ألا أنوِّه بالأعمال ذات الصلة بالطاقة والبيئة التي يجري تنفيذها من قبل منتدى الشركات البترولية الوطنية، الذي يعقد جلسته الخامسة الآن هنا في بكين، وهو المنتدى الذي تشارك في عضويته وتساهم في مداولاته شركة الزيت الوطنية في جمهورية الصين الشعبية، وشركة أرامكو السعودية، إلى جانب عدد كبير من شركات البترول الوطنية الأخرى . كما أود أن أثني على جهود المنتدى في هذا الصدد . أيها الحضور الكرام، أتمنى لمؤتمركم كل النجاح وأتطلع إلى نتائجه التي ستساعدنا في التصدي للتحديات الكثيرة التي نواجهها . شكراً على حسن إصغائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . مما يذكر أن المؤتمر الذي يستمر يومين يشارك فيه ممثلين عن الحكومات والمنظمات الدولية غير الحكومية من قرابة مائة دولة للتركيز على تطوير ونقل التكنولوجيا . ويهدف المؤتمر الذي نظمته الحكومة الصينية والأممالمتحدة إلى تسهيل التعاون الدولي في مجال تطوير التكنولوجيا ونقلها فضلا عن تسهيل التفاوض الدولي بشأن التغيرات المناخية . وسيغطي المؤتمر نطاقا واسعا من الموضوعات التي تضم الوضع الحالي لنقل التكنولوجيا والممارسات الأفضل وآليات التغلب على معوقات نقل التكنولوجيا والأدوار وإمكانات التعاون للقطاعات العامة والخاصة وغير ذلك من الموضوعات . ومن المتوقع أن يصدر الممثلون المشاركون في المؤتمر إعلانا خاصا بمسألة التغيرات المناخية، وسيستخدم هذا الإعلان كمرجع لمؤتمر الأطراف المقبل لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المقرر انطلاقه في بولندا الشهر المقبل .