وليعلم الرجل أن نشوز الزوج يتعارض مع قيم الإسلام وتعاليمه الداعية إلى المعاشرة بالمعروف وبناء الأسرة على المودة والرحمة والسكن والأمن. قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "استوصوا بالنساء خيرًا".من منطلق هذه الآية الكريمة والحديث الشريف أن يعي كل زوج واجبات القوامة على الأسرة من هنا نشير مرة أخرى إلى أن نشوز الزوج وإعراضه عن زوجته لا يُصحّح أخطاءها.. بل يجب عليه الاقتراب منها أكثر والعمل على تنمية مزاياها وتقليل سلبياتها واحتوائها بالحنان وإشعارها بأهميتها في حياة زوجها وأولادها.. أما إذا أساء تعاملها فإنها تتقوقع ويقلّ عطاؤها.. وينعكس ذلك في تعاملاتها مع أولادها وكذلك مع أهل زوجها، الأمر الذي يُقلل من مكانة الزوج لديهم، وما أغنى الزوج عن ذلك كله لو أتقن احتواء زوجته وبحث عن أفضل السبل للتعامل معها بذكاء وتشجيعها على تنمية مزاياها وتحريضها على تقليل سلبياتها إن لم ينجح في القضاء على هذه السلبيات تمامًا.وقد حدّد الله تعالى علاج النشوز في حق الزوجة في عدّة خُطوات مثل النصح والتنبيه والموعظة الحسنة.. ثم الهجر في الفراش ثم الضرب غير المبرح.. لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرًا بل وشككت الشريعة الإسلامية الرجال في شعورهم بكراهية أزواجهم أحيانًا بقوله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا" في إشارة واضحة إلى حسن المعاشرة والتسامح في المعاملة.والشريعة الإسلامية أيضًا أعطت الزوجة حق معالجة نشوز الزوج في نطاق مسؤوليتها كزوجة وذلك باللجوء إلى الموعظة الحسنة ومحاولة إصلاح أمرها عند زوجها.. وأن تستنفد كل طاقاتها قولاً وفعلاً لتُعيده إلى عش الزوجية كما كان. إن أول خطوة تخطوها الزوجة العاقلة هي معرفة الدافع لنشوز زوجها.. لأنها في هذه الحالة كالطبيب الذي يسعى لمعرفة الداء.. ثم يصف بعد ذلك الدواء.. وتستطيع بذكائها أن تعرف الداء بأكثر من حيلة أو وسيلة.. كأن تراقب ما تبدّل من عادات زوجها أو من سلوكه ثم تنتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من العلاج.. وتستطيع الزوجة الذكيّة ذلك بنجاح من خلال وسائل شتى مثل تذكير الزوج بالتاريخ الأسري والأيام السعيدة بينهما وبذل الجهد للتصالح مع الزوج والحفاظ على كيان الأسرة حماية لحقوق الجميع بمن فيهم الأبناء. فإذا لم تُجدِ هذه الوسائل نفعًا في علاج نشوز الزوج لجأت إلى أهل العقل والحكمة من أهله أو أهلها لتشرح لهم ما تمرّ به مؤسسة الأسرة من محنة تحتاج إلى تدخلهم بحكمة للإصلاح والتوفيق.. وهناك أيضًا أمور مُستحدثة يمكن أن تلجأ إليها الزوجة لمساعدتها في علاج نشوز الزوج.. مثل مكاتب الاستشارات العائلية والمراكز المعنية بشؤون الأسرة إضافة إلى بعض الإخصائيين الاجتماعيين والأطباء النفسيين الذين يستطيعون اقتراح العلاج لكثير من المشكلات الزوجية والأسرية. وعندما تستنفد الزوجة كل وسيلة فلها الحق عندئذ بالرجوع إلى حكم الله إلى أولي الأمر منهم والحكمة من وراء الدعوة إلى هذا الصلح عظيمة.. فهي قبل كل شيء تُعطي الزوجين الفرصة كي يعود كل واحد إلى ضميره ورشده.. كما أنها تُبقي على طهارة الحياة الزوجية وسريتها. من هنا يُمكننا القول بضرورة أن تلجأ الزوجة إلى جميع الوسائل المشروعة للقضاء على نشوز الزوج وعلاجه من خلال جهودها منفردة أولاً.. ثم تستعين بأهل الرشد والحكمة والعقل من أهله لحماية مؤسسة الأسرة من أي تصدع يتهدّدها باعتبارها أهم وأقدم وأسمى مؤسسة في التاريخ الإنساني.. فضلا عن كونها تكوّنت في السماء قبل هبوط آدم وحواء على الأرض. ونريد أن نوضّح أن وقاية الأسرة والمجتمع من مخاطر "الزوج الناشز" تستلزم وجوب تربية الأبناء منذ نعومة أظفارهم تربية سليمة.. بحيث يخرجون إلى الحياة مُدركين لواجباتهم مؤهلين لاحترام الآخرين.. فالتربية تكون في مرحلة الطفولة.. حيث تتراكم الخبرات والمواقف وتشجيعهم على تحمّل المسؤولية والمشاركة في صنع مستقبلهم.ولا شك أن تربية الأجيال الجديدة تتطلب تعاون الأسرة والمدرسة وأجهزة الإعلام والثقافة ودور العبادة..وأخيرًا نجزم بأن الرجل بيده إصلاح أحوال الأسرة.. فإذا لم يدرك هذه الحقيقة.. ولم ينجح في تحويلها إلى واقع فلا يلومنّ إلا نفسه.