يفرض على الإنسان الشرف أن يُفكر ملياً ويتروى طويلاً قبل أن يعقد وعداً أو يلتزم عهداً فإن من تعدْ يُرتب على وعدك أموره وينظم أعماله وأوقاته. فخلف الوعد افساد لهذا الترتيب قد ينشأ عنه فواتُ مصالح ذات قيمة أو وقوع خسارة جسيمة أو ضياع فرصة لا يمكن تداركها ولذلك يشعر الإنسان في نفسه بامتعاض وفي صدره بانقباض حينما يخلف وعدك صديقك أو عميلك إذ ترى في ذلك تعطيلا لأعمالك واهداراً لأوقاتك بل ازدراء لذاتك لذلك أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد.. فقال: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم.. وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا.. وكثيراً تجد أشخاصاً يتغمصون غير شخصيتهم ويلبسون ثياباً غير ثيابهم فيصدرون أنفسهم لاعطاء الوعود لمن هم في حاجة إلى تقديم العون. ويستسهل الوعد لأنه كلمة بسيطة يلفظها الإنسان فتكون قبل النطق بها قولاً ثم تصبح بعد ذلك واجباً من فاته قضائه فاته من الشهامة شيء كثير. وقد كانت العرب تعد الرجل ساقطاً دنيئاً إذا خلف بوعده ذلك لأنه يكون مخيراً في تقييد نفسه بهذا القيد الذي لا يفكه منه غير الوفاء والصدق.. لقوله تعالى: وأذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً.. ولقد قال شاعر عربي في الوعد: إذا قُلت في شيء نعم فأته لأن نعم دين على الحر واجب وإلا فقل لا.. تستريح بها.. لئلا يقول الناس أنك كاذب والمثل يقول أيضاً وعد الحر دين عليه ومن قضى هذا الدين سما وارتفع لأنه يقضي بذلك واجبات الانسانية ويصون مقامه وكرامته والرجل هو من نظر وافتكر فيما وراء قوله.. سأضع كذا حتى إذا تأكد أنه يستطيع وعداً على نية الوفاء وإلا فلم يضع هذا الغل في عنقه ويحمل أثقاله ويتوارى خجلاً وحياءً عند رؤية الموعود. وكثيرون هم الذين يشيدون لنا قصوراً شاهقة من الوعد ولكنها مبنية على رمال. الغابات.. فما أكثر وعود ناسنا وأقل انجازها فيتقاذفون الموعود من حين إلى حين وهو معلل النفس بالفوز وهيهات أن ينال مراماً ولطالما ذابت روح الشاعر وتشكى فؤاده، الرقيق إلى المطل حتى قال: قد طال في الوعد الأمد والحر ينجز ما وعد فودعتني يوم الخميس: ولا الخميس ولا الأحد وإذا اقتضيتك لم تزد.. عن قول اي والله غد فأعد أياماً تمر وقد ضجرت من العدد وحقا إن من نكد الدنيا على المرء أن يرصد في مصادفاته سحائب كذب داكنة تمر عليه وهو لا شك ما لجأ لغيره الا لقضاء حاجة يعلل النفس بآمالها ويرقبها لعله يجد ضالته. فاذا احواله بعد طول صبر واحتساب كما يعرفها واذا الفجر مطل كالحريق بعدم الوفاء بالوعد.. والعذر الجميل خير من المطل الطويل. مكة المكرمة