لطالما افتخر المواطنون بالمنهج الذي يحّكم أنظمة وقوانين المملكة العربية السعودية وهو الشريعة الإسلامية، فالدولة ورجالاتها اعلنوا مرارا وتكرارا بأن أحكام الإسلام هي الإطار الذي تسير عليه الدولة وتطبق أحكامه على كافة المقيمين على أراضيها، وهو الأمر الذي ولد قناعة لدى الجميع بمدى رغبة الدولة في سيادة العدل والأمن داخل ربوعها باعتبار أن شرع الله فيه أسمى الأحكام والقواعد التي تحقق القدر الأقصى من العدالة البشرية، ولعل النظام الأساسي للحكم والذي تم سنه لإيضاح شكل وهوية الدولة يعد دليلا واضحا على توجه حكومتنا الرشيدة نحو الشريعة الإسلامية واعتبارها المشكاة التي تسير عليها في تنظيماتها وهو ما تم النص عليه صراحة في النظام الأساسي للحكم. ورغم أن النظام الأساسي للحكم يعد بديلا للدساتير الموجودة في الأنظمة المدنية إلا أن الشعب درج باستمرار على ترديد عبارة (القرآن دستوري) والتي يرى مرددوها بأنها تكفي للحلول عوضا عن الدستور بمعناه ومفهومه التقليدي في الدول المدنية، ورغم أن ظاهر هذه الجملة هو حب الإسلام وكتاب الله تعالى إلا أن باطنها فيه انتقاص من شمولية الإسلام وكماله، فالقرآن أكبر بكثير من مجرد دستور يحتوي قواعد جامدة تخضع لطرق تغير الدساتير الاعتيادية المختلفة، والمعنى الحقيقي لعبارة (القرآن دستوري) هو أن القرآن الكريم والشريعة الإسلامية يمثلان الإطار العام للدولة والذي لا يجوز لأي قانون أن بخالفه أو أن يخرج عن قواعده بما في ذلك دستور الدولة. وبما أننا اتفقنا بأن القرآن الكريم في مرتبة أعلى من العبارة الشهيرة المذكورة فما المانع إذا من أن تكون هناك جهة تراقب القوانين الصادرة ومدى اصطدامها مع القرآن الكريم والشريعة الإسلامية والتي تعد في قمة الهرم التنظيمي في المملكة فالإسلام لطالما كان دينا مرنا في قواعده وتضييق خناقه في عبارة (القرآن دستوري) لن تكون سوى وسيلة لإصابة الشريعة بالجمود والخمول بغرض اثبات احترامنا لقواعد الاسلام والتي نفتخر بالانتماء إليه بدون العبارات الرنانة. ولكن لماذا لا تكون لدينا محكمة دستورية تراقب قوانين الدولة ومدى مخالفتها لقواعد الشريعة الاسلامية عوضا عن فتح باب الفتوى أمام العلماء بين محلل ومحرم والتي من شأنها اثارة الفتنة بين أفراد المجتمع، وإن كانت أزمة المصطلح التي نعيشها ستجعلنا نعترض على كلمة المحكمة الدستورية، فيمكن استبدال المسمى بأي اسم يختاره ولي الأمر، فالعبرة بالمقصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. والله من وراء القصد [email protected]