* يعجبني تلك النوعية من الموظفين، الذين يهتمون بأعمالهم، وبمراجعيهم، ويتمتعون بقدر كبير من الحرص والرغبة والإرادة في العمل. .. هؤلاء لا يهمهم أحد بقدر ما تهمهم (ضمائرهم)!! لهذا هم منجزون، وهم محمودون.. وأكثر أولئك الذين يتثاءبون أكثر ممّا يفتحون أعينهم للشمس، ويفتعلون المشكلات أكثر مما يحتفون بالإنجاز!! هؤلاء لا يحبّهم أحد، ويكره أن يتعامل معهم أي أحد!! * ويزيدني في أولئك كرهًا عندما يحوّلهم الخوف على مواقع أقدامهم إلى مجرد طابور من الأفّاقين، والمنافقين، والطبّالين خلف (صاحب السعادة)، فلا يرون إلاّ ما يرى، ولا يفعلون إلاّ ما يريد!! .. كل الألوان الرمادية تتحوّل عندهم إلى بنفسجية مشعة، وفق هوى صاحب السعادة ولون عينيه، وتصبح المسافة ما بين الضوء الأخضر والخط الأحمر بمقدار المسافة ما بين كعبه وحافة الكرسي!! ويصبحون هم مجرد أبواق لا أكثر. * والتطبيل الاجتماعي عندي لا يقل عن التطبيل السياسي (بالروح بالدم)! فالكل يمارس الضحك على الذقون!!.. وأكره حتى النخاع ذلك الاستمراء في قرع الطبّال، ومسح الجوّاخ؛ لأن فيه تعرية مكشوفة لآدميتنا بكل ما فيها من مصداقية وشفافية ومساواة، وبكل ما فيها من غياب للحقائق، وتغييب للحقيقة، وضياع للمصالح!! لذلك فمثل هؤلاء يشقون بأنفسهم ليس لأنهم يجاملون، أو يجملون، ولكن لأنهم يكذبون، ويعرفون بأنهم يكذبون. والفرق فقط أننا نعرف أنهم يكذبون على أنفسهم، وهم يحسبون أنهم يكذبون علينا!! وهذا مصدر الشقاء الحقيقي!! * إن هؤلاء من أجل مصالحهم يمارسون مع كبرائهم (لعبة الكراسي).. وهم يدركون بأنها ليست مجرد لعبة.. وأسوأ ما فيها أن هناك طرفًا أعلى يريدك أن تكون دائمًا كما يريد هو، وعليك ألا تكون كما تريد أنت!! إنها الأخطر في توازنات قانون لعبة الكراسي التي تختلف عن قوانين الألعاب الأخرى فى هذا العالم!! فهي لا تعتمد نظرية الفائز والخاسر، ولكن من أجل أن تبقى أنت لابد أن يكون هو وفي البرواز الذي يريده!! .. كتب أحدهم إلى مسؤول صديق له حديث عهد بالمكان الذي هو فيه.. (عليك أن ترى شروق الشمس من تحت مكتبه الوثير). .. وحدثني مَن أثق به عن مسؤول يقع تحت سلطة مسؤول أكبر منه عندما سألوه كيف استطاع أن يحفظ مكانه تحت قبة ذلك السلطوي الشديد؟ قال: (لا أمل أن أكون المرايا التي يرى فيها لون وجهه كيف يبدو)؟!! فعلاً إنها (لعبة الكراسي)!! أنا أتكلم عن كيانات موجودة، أمّا بمجرد أن يغادر أحد الكرسي (فصاحب السعادة) المتفرد الذي لم يكن يشبهه اثنان في نظر الأفاقين لن يبقى حتى مجرد اسم يسكن مخيلتهم!! وأذكر موقف أدهشني إلى درجة القشعريرة! مسؤول ترك مركزه لمسؤول مثله، زرنا هذا وذاك، مَن بقي على الكرسي الوفود لا تكاد تصل إليه إلاّ بصعوبة، أمّا مَن ذهب فقد وجدناه وحيدًا إلاّ من الصحف اليومية، وهو الذي كان صعب المنال!! يا للزمن!! يا للناس!! * ولعل في لعبة الكراسي شيئًَا ممّا كنتُ أود الوصول إليه أصلاً من كتابة هذا المقال، وهو الاستغراب من صمت بعض المسؤولين وهروبهم من الصحافة! كلّما ذهبت إلى مسؤول، أو اتّصلت به لأخذ رأيه في موضوع يخص قطاعه تجده يتهرّب، وفي أحسن الأحوال لا يرد عليك أو يعتذر.. مدير عام يجيز تصاريحه وزيره، ومدير عام يستأذن الوزير أولاً قبل أن يجيبك، ومديرون عامون يعتذرون ويحيلونك إلى المتحدثين الرسميين في وزاراتهم. وبعضهم يصارحك بأنهم ممنوعون من التصاريح أو الحديث إلى الصحافة!! ماذا بقي للمسوؤل إذًا؟ إذًا حتى الأشياء الصغيرة والعادية داخل إدارته لا يستطيع الحديث عنها؟. لا أظن (فضة) الكلام، و(ذهبية) الصمت لها علاقة هنا. لكن السؤال الأهم: هل تغييب المعلومة أنفع من إظهارها للرأي العام؟؟ * أنا كنت أضع الأمور في مسارها العادي وفق معادلة (التوافق والتضاد) ما بين الإعلام والمسؤول!!.. الآن ربما أدرك بشيء من التفسيرات أبعاد زوايا الطاولة والشروق الخفي!! .. في النهاية ما يعنيني الوصول إليه هو أن إدارة ظهر المسؤول لوسائل الإعلام قد لا يكون مجديًا تمامًا وفي هذا الوقت بالذات!! فأنت في زمن ثورة اتصالية هائلة لا تغني عنها أن ندفن وجوهنا في بطون أيدينا!! في رأيي إعطاء معلومة صحيحة أفضل من ترك المجال للاجتهادات فتخرج الحقائق مشوهة. خاتمة: متى تكون؟ وأين تكون؟ وكيف تكون؟.. قضية أصبحت قد لا تخصك وحدك!!