الحمد لله الذي جعل من مواسم الطاعات سلالم لبلوغ طاعته ورضاه، وإن أعظم ما ألفاه الله عبيده هو شهر الرحمات والهبات شهر رمضان المبارك ذلكم الشهر الذي كان يخرج المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل دخوله ويقول: (أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه وقيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران، وتغل فيه مردة الشياطين وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها حرم خيراً كثيراً). إنه الشهر الذي تقوض فيه الشياطين أروقة العار والعصيان والزيغ فتغلق فيه أبواب الجحيم، لتكن أبواب الجنة الثمانية مشرعة للمتسابقين إلى الخيرات، فيكن لله عتقاء من النار كل ليلة، وتصعد الملائكة على رأس أيام الشهر المبارك لتقوم بحق الدعوة إلى الله صادعة بقولٍ جزل فصل (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر). فتستجيب النفوس المطمئنة لهذا النداء المليء بدعوات الحق واليقين، فتقدم على أبواب الخيرات، وتلجها على عجل وبلا حاجة لبواب فالضيوف كثر. والشعار: لن يسبقني إلى الله أحد، فذاك الصائم المنكسر، وعلى عتبات المساجد المتهجد الخاشع، وعند بيوت الفقراء المنفق المخلص، وعلى أريكة البيت قارئ القرآن المتدبر، وبين الأسحار مستغفر منيب، وفي ثتايا أولئك نجد الذكر والأنثى والصغير والكبير على حد سواء. ومن هذه الدوائر الروحانية وإثر تلكم النفائس الثمينة أجدها فرصة أن أخلص إليكم بآفاق ليست بالغريبة عن عارفين أمثالكم، ولكنها تأتي لتنظم واقعنا الرمضاني. ومن ثم نحاول أن نتسامى معها حتى نعيش الأفق الرمضاني المقصود، وتتحقق فينا غاية الشارع جل وجلاله. ونحن إذ نخص رمضان بها، فهو الذي لا تخفى عنا فضائله، ولا يمحي من تصورنا خصائصه الفريدة إذ من لم يكن عازم على استغلاله في بلوغ الآفاق الرمضانية فقد حرم نفسه من فرصة نجد في ديننا أنها من أعظم الفرص التي لا تسنح لكثير من الخلق. وهذا سلفنا الصالح كما ذكر المعلى بن الفضل رحمه الله يدعون الله قبل رمضان بستة أشهر أن يبلغهم إياه. وقال يحيى بن كثير رحمه الله كان من دعائهم: اللهم سلمني لرمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً. وبإذن الله سوف نلقي الضوء على آفاق رمضانية عدة آفاق مع الجوارح، وآفاق مع المهام، وأخرى مع الغايات. والله أسأل أن يلهمنا صوابنا ورشدنا، وأن يوفقنا للعمل الصالح، ويجعل ما سطرناه وأورثناه عباده من الباقيات الصالحات.