اعتبر عدد من ائمة وخطباء المسجد الحرام أن رمضان موسم للمحاسبة وتمحيص للتقوى وميدان فسيح للمنافسة وتصفية النفوس من الغل. وأوضحوا في تصريحات ل (الندوة) ان في شهر رمضان تسكب العبرات وترق القلوب وتزكو النفوس. وأكد معالي الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية ان فضل شهر رمضان كبير فهو شهر فرض الله فيه على المسلمين الصيام . وأن غاية الصيام تقوى الله عز وجل ، التقوى التي يتمثل فيها الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرا مما يخشى . ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلُّها سبيل التقوى ، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب . وأوضح أن جوارح الإنسان عين وأذن ويد ولسان وبطن وفرج والقلب من ورائها أصلها وحاكمها . صام القلب ، واتقى إذا جرَّد العبودية لله وحده ، خضع لجلاله ، وسعى لقربه وأنس بمناجاته . خلص من الشرك وسلم من البدع ، وتطهر من المعاصي ، قلب تقي يرى الهوى والشهوة والظن والبغي ، والعداوة والبغضاء ، والغلَّ والحسد والجدل ، والمراء أمراضاً قلبية فتاكة تقتل الأفراد وتهلك الأمم ، القلب التقي يرفضها ويأباها ويتقيها ويتقيؤها ، وصيامه ينفيها ويجفوها ، قلب صائم متدين لله بالطاعة ، مستسلم له بالخضوع والاستجابة منقاد لتنفيذ الشرع في الأمر والنهي . عبودية لله خالصة لا يصرفه عنها شهوة ولا شبهة ، ولا يشوش عليه فيها أمان ولا طمع ، قلب قوي تقي ، لله صلاته وصيامه ونسكه ومحياه ومماته (فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه . إذا صلح القلب صلحت الجوارح ، فقامت بحق الطاعة وكفَّت عن الآثام ، فالبطن محفوظ وما حوى ، ترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله تقي عالٍ يقيْ النفس جماح غرائزها ، وإرادة مستعلية مستحكمة تأخذ أمر ربها بقوة ، وتزدجر عن النواهي باستسلام . لقد فرض الصيام لتمحيص التقوى ، وليصبح المسلم صائماً تقياً في مطعمه ومشربه ؛ قصده رضا محبوبه (الصوم لي وأنا أجزي به )متفق عليه . رحمة ومغفرة وعتق من النار . وأضاف شهر رمضان هو شهر التقوى ، موسم عظيم للمحاسبة ، وميدان فسيح للمنافسة ، وتصفية للنفوس من الداخل ، وتقترب فيه قلوب من خالقها ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة . وحث الصائمين بأن يفتشوا عن المحتاجين من اقربائكهم والمساكين من جيرانهم والغرباء من الاخوان ولا تنسوا برهم وإسعادهم ، أشركوهم في رزق ربكم واذكروا جوع الجائعين ولوعة الملتاعين وعبرات البائسين. تزكية النفس وأكد فضيلة الشيخ أسامة عبد الله عبد الغني خياط إمام وخطيب المسجد الحرام ان في شهر رمضان تزكو النفوس ، ويطيب جوهرها ، وتسمو الأرواح ، وتصفى من أوضارها ، وترق القلوب وتحلق في أفيائها ، كلما أقبلت على ربها ، واطرحت ما سواه وازدلفت إليه ، واهتبلت الفرص السوانح كلها ، لبلوغ رضوانه ، والخطوة عنده الدرجات العلا ، والنعيم المقيم فاتجهت إليه سبحانه بقلوب عامرة بالإيمان ، نابضة باليقين ، متجردة من صوارف الحياة الدنيا ، قصية عن مهابط المادة ، وأرجاس الشهوات ، وحمأة الخطيئات . وتلك هي حقيقة الإحسان الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أخرجه الشيخان في صحيحيهما . وشهر رمضان ، جمال المناسبة وجلالها ، وثيق الصلة بحسن استقبالها ، وكمال السرور وغامر السعادة بها ، وإن من أجمل المناسبات وأجلها في حياة المسلم مناسبة استقبال هذا الشهر المبارك رمضان ، الذي أكرم الله الأمة به ، وجعل صيامه وقيامه واستباق الخيرات فيه من أعظم أبواب الجنة دار السلام . وحرى بأولى الألباب وقد أظلهم زمان هذا الشهر العظيم أن يتبينوا حقيقة استقبال رمضان ونبه فضيلته أن لا يكون هذا الاستقبال بالاجتهاد في جمع ما يشتهى وما يستطرف من ألوان الطعام والشراب ولا يكون بتهيئة النفس للهرب من رهق الحرمان بالنوم المستغرق معظم ساعات النهار ، فإن كان ثمة عمل أدي بصبر نافذ ، وتبرم ضجر وسوء خلق يصحبه سباب وطعن ولعن بل وقذف موجب للحد أحياناً . ولا يكون بتفقد أجهزة الاستقبال للقنوات الفضائية وتعهدها بالإصلاح أو التجديد حرصاً على عدم فوات شيء مما تبثه في أيام هذا الشهر ولياليه مما يحتشد له من برامج ومناشط ، وما ترصد له من أموال ، وما تنفق فيه من أوقات وما تصرف فيه من جهود لا تأتي ثمارها غالباً بما يسر العقلاء أو ينفع المؤمنين ، أو يرضي الله رب العالمين ولا يكون بالعزم على قضاء لياليه في جولات عابثة في الأسواق استجابة للشطحات والنزوات وإضاعة للأوقات . ان رمضان لا يستقبل بهذا ولا بأمثاله مما يعظم ضرره ويقبح أثره وحث بالتشمير عن سواعد الجد في استباق الخيرات وبعقد العزم على اغتنام فرصته في تزكية النفس وتدريبها والزام سلوك الجادة . موسم الخيرات وأوضح فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام ان رمضان موسم الخيرات، فيكون المسلم بعد قبول عمله من الفائزين ولخالقه من المقربين فيا لله كم تستودع في هذه المواسم من أجور ، وكم تخف فيها من الأوزار الظهور، رمضان شهر الرحمات والبركات والحسنات والخيرات تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران فيه ليلة القدر خير من ألف شهر من صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه ولله تعالى فيه عتقاء من النار ، هو شرع قديم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) رمضان شهر القرآن ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . وهو شهر التراويح والقيام والاصطفاف في محاريب التهجد وشهر سكب العبرات ، وإقالة العثرات ، رمضان الذكريات والانتصارات فيه كانت غزوة بدر التي سماها الله يوم الفرقان وفيه فتح مكة حين أعلن التوحيد وهدم الشرك وأزيلت الأصنام وألقيت في الحضيض شعارات الجاهلية ، فهو شهر الجد والتشمير وهو تذكرة للأمة لمراجعة حساباتها وعلاقاتها بدينها وتفقد مواضع الخلل فكل رمضان دروس وعبر في التجرد والتوحيد والتوجه والالتجاء للخالق المجيد . واستنزال النصر من السماء دروس في وحدة الأمة ونبذ الفرقة والاختلاف في المواساة وشعور الجسد الواحد. ضيف عزيز وقال فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام: يالها من فرحة غامرة تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام فهي إزاء دورة جديدة من دورات الفلك السيار والزمن الدوار ، تمر الأيام وتمضي الشهور ويطل علينا موسم كريم وشهر عظيم ويند علينا وافد حبيب وضيف عزيز ، هو شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة وأيامه المباركة الوضاءة ولياليه الغر المتلألأة ونظامه الفريد وأحكامه وحكمه السامية ، هو من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة لما له من الخصائص والمزايا ، وأعطيت فيه هذه الأمة من الهبات وخصت فيه من الكرامات كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله كل يوم جنته ، وتصفد فيه مردة الشياطين ، ويغفر لهم في آخر ليلة ) فيالها من فرصة عظيمة ومناسبة كريمة تصفو فيها النفوس وتهفو إليها الأرواح وتكثر فيها دواعي الخير ، وتفتح الجنات ، وتتنزل الرحمات وترفع الدرجات وتغفر الزلات وتحط الأوزار والخطيئات ، في رمضان تلاوة وصلوات وجود وصدقات وأذكار ودعوات وضراعة وابتهالات . ان الأفراد والأمم لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان وإصلاح ما فسد من أحوال وعلاج ما جد من أدواء وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تاريخها وإعادة أمجادها وإصلاح أوضاعها ، إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها كل أمة ، بل يتطلع إليها كل فرد في المجتمع ، إنه مدرسة لتجديد الإيمان وتهذيب الأخلاق وتقوية الأرواح وإصلاح النفوس وضبط الغرائز وكبح جماح الشهوات .