يعش الانسان حياة مليئة بالأحداث اليومية، وتغلف هذه الحياة العديد من المشاعر والأحاسيس التي تصاحب كل موقف وكل لحظة نعيش فيها فتكون رحلة الحياة هي مزيج من حالات السعادة والتعاسة والحزن والفرح فلا يمكن ان تستمر الحياة في عطائها لبني البشر لتمنحه سعادة دائمة ومطلقة ولا يمكن ايضا ان تبخل عليه دائما لتسلبه هذه السعادة وتستبدلها بتعاسة دائمة ومطلقة. تظل الحياة مزيج من هذا وذاك، وعلى الانسان الفطن ان يعرف هذا جيدا وان يمتلك القدرة للتفاعل مع كل ما يمر به مهما كان، وألا يستسلم لمشاعره الايجابية فيتوقف عن الجهد والعرق كما انه مطالب بألا يستسلم لمشاعره السلبية فلا ييأس من رحمة الله، هذه هي المعادلة المعقدة في فهم هذا اللغز الدنيوي الصعب. ولكن تبقى نقطة واحدة هي التي تحتاج الى تأمل والى أن نتوقف عندها كثيرا، ماذا عن خيارات الانسان نفسه.. اليست لها نصيب الأسد من توجيه حياتنا سواء الى السعادة او الى التعاسة.. اليست اختياراتنا هي مفتاح ما سنمر به مستقبلا، اننا دائما ما نلقي اللوم على الظروف وعلى الأخرين فيما نمر به من حالات مزاجية مختلفة ولا نفكر ابدا في ان نلوم اختياراتنا والتي قد تكون هي المسبب الأول لما نمر به من ظروف.. إن الله اعطى لنا العقل لنفكر به، وأعطى لنا الحرية لنختار، وأعطى لنا الإرادة كي نصر على اختياراتنا.. ثم ماذا بعد؟ هل نلوم الظروف ونلوم الحياة على خطأنا نحن؟.. اذا كنا نرغب في ان نكون منصفين، فإن الحق والعدل اننا نحن بأيدينا نرسم لوحة المستقبل دون اي تدخل من الظروف او من الأخرين حتى، فنحن من نفكر ونحن من نقرر ونحن من ننفذ إذا فلا يجب ابدا ان نلوم طرفا أخر إلا انفسنا. ان ما يمر به الانسان من هم وكدر نتيجة اختياراته ليس العيب فيها غموض المستقبل.. وانما هي الرغبة المحمومة في ان نعيش الحاضر بما ينسينا ان ننظر للمستقبل، إننا نلهث وراء سعادة لحظية او هكذا نظن ولا نفكر فيما بعد هذه اللحظة، دائما ما تكون نظرتنا للأمور قاصرة مبتورة بفعل الرغبة العمياء للحصول على ما في يدنا الآن لكننا أبدا لا ننظر الى غد لا نسأل انفسنا «ماذا بعد؟»، لا نملك هذه اللحظة التي نقف فيها عن التفكير في الحاضر للنظر الى المستقبل.. اننا بخلاء بشدة مع المستقبل، ومسرفين غاية الاسراف مع الحاضر، وجاحدين غاية الجحود مع الماضي، فننساق وراء رغباتنا واحلامنا الحاضرة بدرجة تعمينا عن التعلم من اخطائنا واخطاء الأخرين والتي حدثت في الماضي وبطريقة تجعلنا لا نملك الوقت لنتأمل كيف سيكون المستقبل.. وهكذا تأتي خيارتنا معطوبة لا تتوافق مع ما كنا نتمناه وما كنا نتطلع اليه فنلوم الظروف ونلوم الأحداث ونلوم الدنيا كلها ولا نلوم انفسنا ابدا. هي لحظة صعبة اذا.. لا نسمع فيها إلا صوت الحاضر ولا نرى فيها إلا صورة الحاضر وتتوقف فيها عقولنا عن التفكير في المستقبل، هل عرفتم الآن اننا ظلمنا انفسنا باختياراتنا وبتفكيرنا القاصر، لكن عزاءنا الوحيد ان الحياة يجب ان تستمر، ولكن لكي تستمر الحياة سيقع الإنسان بين احدى خيارين احلاهما مر.. فإما ان يقرر أن يرضى بخياراته ويتواءم معها ويحاول ان يتقبلها دون اي تزمر او اعتراض وهو ما سيعني ان يفقد الانسان احلامه وان يدفن احساسه لكي يستطيع ان يفعل ذلك.. وإما ان يقرر ألا يرضى بهذه الخيارات وان يحاول ان يبدأ من جديد مهما كان الثمن غاليا وحتى لو على حساب حياته نفسها فحينها يراهن الإنسان أن سعادة المستقبل قد تنسيه مرارة الحاضر. إنه الاختيار الصعب اذاً.. ولكن من قال إن السعادة سلعة رخيصة نحصل عليها دون عناء وتعب وشقاء، ها هي السلعة وها هو الثمن.. وعليك أنت أيها الإنسان أن تتعلم كيف تختار.