أبى عام 2011 أن ينصرف قبل أن تمتد موجة الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية التي اجتاحت العالم من أقصى الشرق فى الصين إلى أقصى الغرب فى شيلى- إلى مدينة نيويورك، وتحديدا حى وول ستريت، معقل الرأسمالية العالمية وجهازها المصرفى، والذى لا تزال تداعيات انهياره عام 2008 تهدد الاقتصاد العالمى برمته.أعلنت حركة "احتلوا وول ستريت" أنها استمدت إلهامها من احتجاجات الربيع العربى، خاصة نموذج "ميدان التحرير"، الذى أصبح أيقونة المطالبين بالعدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية الفعالة فى اتخاذ القرارات السياسية فى العالم بأسره. وتأكيدا لفكرة "عالمية" الأزمة، دعت هذه الحركة شعوب العالم للتظاهر والاحتجاج تضامنا معها فى يوم 15 أكتوبر 2011. وبالفعل، خرجت المظاهرات ذلك اليوم فى أكثر من 900 مدينة داخل وخارج الولاياتالمتحدة، بأعداد متفاوتة. فقد خرج نحو 25 ألف شخص فى سنتياجو، عاصمة شيلى، وتجمع 60 ألف شخص فى برشلونة بإسبانيا، وتظاهر نحو خمسة آلاف شخص فى فرانكفورت بألمانيا أمام البنك المركزى الأوروبى، واحتل نحو ألف من المتظاهرين الساحة أمام كاتدرائية سان بول فى لندن، عاصمة المملكة المتحدة. اهتم المحللون بالبحث عن الخيط الذى يجمع هذه الاحتجاجات والمظاهرات والثورات، التى اندلعت فى مختلف أنحاء العالم عام 2011، الذى أصبح عام "السخط" العالمى، بحسب المحلل الاقتصادى الشهير جيديون رحمان، أو "الانتفاضة العالمية"، بحسب الكاتب السياسى باتريك سيل. يرى رحمان أن ما يجمع ثورات الربيع العربى مع مظاهرات مدريد وأثينا، والاحتجاجات فى تشيلى والهند والصين، رغم اختلاف أشكالها وأسبابها المباشرة، هى أنها فى مجملها تمثل مواجهات بين نخبة غنية ذات صلات عالمية ومواطنين عاديين، يحسون أنهم لم يستفيدوا من ثمار النمو الاقتصادى، كما أنهم غاضبون من انتشار الفساد بين الطبقات الغنية والحاكمة. فى معظم هذه البلاد، ارتضت النخبة بشكل واضح ارتفاع معدلات التفاوت الاقتصادى والاجتماعى كثمن مقبول للنمو الاقتصادى. يرى رحمان أيضا أن العولمة، التى زادت الأغنياء ثراء، بينما أدت إلى تراجع دخل ومستوى معيشة الطبقات العاملة الأقل تعليما وتدريبا، والتى دعمت أيضا من شبكات الاتصال الحديثة، قد تكون العامل المشترك الذى يجمع ما بين كل هذه الاحتجاجات.وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن قضية تركز الثروة فى أيدى نخبة عالمية صغيرة كان موضوع ملف أعدته مجلة الإيكونومست فى أوائل عام 2011، (عدد 22-28 يناير) بعنوان "الأغنياء والآخرون .. تقرير خاص عن النخبة العالمية". أعطى هذا الملف مؤشرات واضحة عن التفاوت الرهيب لتوزيع الثروة على المستوى العالمى. فوفقا لتقرير أعده بنك كريدى سويس، أصبح 1% من سكان العالم البالغين يتحكمون فى 43% من إجمالى الثروة العالمية، بينما تتحكم العشرة بالمائة الأكثر ثراء بين سكان العالم فى 83% منها. أما الخمسون بالمائة "الفقيرة" من سكان العالم، فلا تتحكم إلا فى 2% فقط من ثروته.ويعد التفاوت فى الثروة داخل المجتمع الأمريكى هو الأعلى من بين كل الاقتصادات الصناعية المتقدمة. ويقدم باتريك سيل قائمة من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى يراها سببا لهذه الاضطرابات الاجتماعية، ويخص بالذكر البطالة بين الشباب، وغياب العدالة الاجتماعية، واستخدام العنف من قبل قوات الأمن، والرأسمالية المفرطة وغير الموجهة، والإنفاق المستفز من جانب الأغنياء، ويأس الطبقات الفقيرة، وانتشار الإحساس بأن ثروات البلاد ليست فى أيد أمينة، ولا تدار بطريقة سليمة. يرى سيل أن "العقد الاجتماعى" فى كل البلاد التى شهدت احتجاجات قد تمزق، ويجب إصلاحه، وأن الحل يكمن فى إعادة إحياء روح الوطن الواحد، بدلا من اللجوء إلى العنف.