كان علماؤنا السابقون يفتتحون كتبهم بحديث "إنما الأعمال بالنيات"، وبه بدأ الإمام النووي كتابه "الأربعين حديثاً"، وبدأ كتابه "رياض الصالحين" بباب "الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفية" والذي ذكر فيه من جملة ما ذكر حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم. أما الأول فذكر بره بوالديه ثم دعا: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة) فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه. وأما الثاني فذكر كيف أنه انصرف عن فعل الفاحشة بعد أن قدر عليها، بل ترك المال الذي دفعه من أجلها، ودعا بدعاء مماثل، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. ثم ذكر الثالث قصته مع أحد أجرائه، الذي ترك أجرته وذهب، فثمّر له أجره حتى كثرت منه الأموال، ثم جاءه فأعطاه كل شيء له. ثم دعا بدعاء مماثل، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون. هذا الحديث يذكر القضايا الثلاث الرئيسية في حياتنا، الأولى: العلاقات الاجتماعية ممثلة بالعلاقة مع الوالدين، أما الثانية والثالثة فتمثلان شهوتي الجنس والمال. ولئن ذكر الحديث قصة صخرة حقيقية سدت باب الغار فإن الصخرات التي تسد الطرق أمامنا اليوم، على المستوى الفردي أو المجتمعي، كثيرة! وقد دلنا الحديث كيف يمكن أن تنفرج الصخرات التي أمامنا. فهل نتبع الطريق أم نصر على ما نحن عليه. ومن يقرأ عناوين الأخبار يجد كيف تتداخل هذه القضايا الثلاث في حياتنا تداخلاً عجيباً. فمن قضايا عقوق إلى قضايا عضل إلى قضايا ظلم للزوجة والأولاد. ثم هناك قضايا الخطف وقضايا محاولات الاعتداء على الأعراض وقضايا الابتزاز (وهذه وحدها عُقد لها مؤتمر مؤخراً). وعند الحديث عن قضايا التعامل المالي يشيب الولدان. فإصدار شيكات بلا رصيد صارت ظاهرة استدعت إقرار نظام لمعالجتها. وقال لي صديق بأن شركته هددت أحد زبائنها برفع دعوى عليه إن لم يدفع ديونه، فقال: إن كنتم لا تعلمون مكان المحكمة فأنا آخذكم إليها. نعم بهذه البجاحة. فتذكرت أن أبابكر اتخذ عمر (رضي الله عنهما) قاضياً. فجاءه بعد عام ورد عليه منصبه لأنه لم يستقبل أي دعوى! بعد أن كتبتُ عن عاملة النظافة التي قالت إنها تساهم بوضع إنسان على القمر جاءتني رسالة من مدرّس يعمل في مدرسة خاصة يقول: هل سألتَ العاملة إن كانت تأخذ حقها كاملاً؟ وذكر بأنه يحمل رسالة التعليم السامية ويبذل كل جهد لتعليم الأولاد، لكن إدارة المدرسة التي تأخذ رسوماً دراسية مرتفعة لا تعطي أي حوافز، بل عملت على تنزيل رواتب المدرسين ومن لم يعجبه فليترك! فالبدائل موجودة! كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]