الرأي الأخر الذي يقبل إنما يكون في علم أو أدب أوفكر، بل وفي شتى جوانب الحياة مادام يطرحه صاحبه مدعوماً بالحجة والبرهان ، ولا يعني قبوله أبداً أن يتنازل الآخرون عن آرائهم وافكارهم ويسلموا له، فيتبنونه ويصبح لهم رأياً، إلا في حالة واحدة ، هي أن يجدوه صواباً ويجدوا ماهم عليه من رأي خطأ، واصطراع الأفكار دوماً ينخلها فلا يبقى منها سوى الأصلح والأصوب في الاغلب من الحالات، التي فيها رأي ورأي آخر، إلا في مجتمعات تتبنى الرأي الواحد وتقصي سائر الآراء سواه. ولعل مجتمعنا قد تدرب أفراده على مرّ السنين على هذا اللون من التفكير، فما اتيح لهم أن يبدوا رأياً إلا طنوا إذا أبدوه وجب على من يسمعونه ويقرأونه أن يتبنوه ، فهو الرأي الأصوب والأحق بالاتباع، حتى في اتفه الموضوعات ، عندما يهاجم أحدهم مجموعة من الناس، ويصنفهم كما تهوى نفسه الأمارة بالسوء، فيرد عليه من يدرك أنه إنما يفعل ذلك طلباً لشهرة زائفة، تراهم منزعجين يحملون عليه ويتهمونه بعدم قبول الرأي الآخر، وكأنهم يقولون: أن الرأي الآخر إذا اطلقه أحد أفراد شلتهم فيجب أن يكون للجميع رأياً، أما إن وجدتم خطأ فرددتهم عليه فأنتم لا تقبلون الرأي الآخر، وما علموا أن قبول الرأي هو أن يظهر، بل ونجاهد من أجل أن يطرح. فلكل انسان مهما صغر شأنه الحق في أن يبدي رأيه، ولكنه إذا اخطأ وانتقص من اقدار الناس وجب التصدي له والرد عليه، فقبول الرأي الآخر لا يعني ان يتبناه الآخرون أو لا يردون عليه ، وخاصة أذا كان هذراً من نوع مايَكتْبُ توسلاً لشهرة زائفة، فيها الاساءة إلى الناس دون مبرر إلاّ نفس أمارة بالسوء، وأشدها غلظة أن توجه هذه الاساءة الى الاصدقاء والاحباء، اما ما يزعم المسيء أنهم بالنسبة له كذلك، فالمسيئون إلى الخلق لا يجب الصمت على اساءاتهم، فبالصمت عليهم يتكاثرون، وتصبح صفحات الصحف منتدى هجائين من العيار الثقيل، الذي يهدرون كرامات الناس لمجرد أن اتاحت الصحف لهم أن يكتبوا فيها. فمواجهة هذه الرداءة واجب ثقافي ووطني لابد أن يقوم به كل الكتاب المخلصين للوطن وثقافة أهله، التي يراد لها ان تسود فيه، فهل يفعلون هو ما أرجو والله ولي التوفيق... ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043