كانوا يمرون عند الغروب وهو يحملون الوجوه الجائعة ينادون من يشتري وجهاً ليشبع.. وجهاً يضحك به على شهوة اللحظات. يجتمع الناس قٌبيل الآذان يتفحصون الأجساد الذابلة عراة لا تسترهم غير أيدي المتطفلين وصبية جاءوا من خلف القرية كانوا يقذفون الغرباء بحقد ملون يخرج من أفواههم. من خلف الجموع ينظر الناسك من زاويته المهملة يتلو تسابيح الآذان يقلب بصره في السماء ويلعن الجوع الذي أتى بالبضاعة الفاسدة. يحمل عصاه الغليظة ليبدأ رحلة السلالم نحو الصعود إلى السماء مع كل خطوة يخطوها تحرك الرياح لحيته البيضاء كان يشم رائحة جميلة.. ليست روائح العراة.. ليست روائح الطغاة قبل الآذان وقبل الوصول لنافذة السماء تدحرج الصوت واختل المساء سقط الآذان وتعفر الوجه الأبيض. صمت الجميع.. لم يعد صوت المنادي يُطلق في الفضاء غيه. تركوا العراة وتجمعوا حول جسد تنبعث منه روائح السماء. لم يعد لأجساد العراة ما يسترهم فكل أيادي الطغاة تكومت فوق جسد الناسك المصفر وهو يتساءلون: من أين جاء؟ من أين جاء؟ طفل صغير من خلف السلم المنكوب يصرخ لقد رأيته عندما هبط.. أنا رأيت الكتلة البيضاء من السماء.. من السماء. في ذلك اليوم لم يحن بعد موعد الآذان أظلم الشارع والمحراب لم تمطر تلك الليلة.. لم يشرب وجه الأرض ذهب الطغاة.. مات العراة وكأن الناسك المبتل من عطر السماء كان يدعو الله : يا رب لم أعد أقوى البكاء يا رب ليس لي في دنيتي غير الشقاء يا رب تركوا المحاريب تنزف وحدها وأنا ووجهي في العراء. واستجاب الله وسقطتّ كطائر أنهكه التعب كريشة تهاوت من بعيد.. مثل وجه الكبرياء كالأنبياء كالأتقياء [email protected]